بدنا نكمل ع اللي بقيو ...
مالك محمد مالك محمد

بدنا نكمل ع اللي بقيو ...

نشر عدد من صناعيي وتجار مدينة حلب إعلانات عن إغلاق مؤسساتهم ومصانعهم، ونسبوا السبب في ذلك إلى الضرائب الضخمة التي طالبتهم بها مؤخراً وزارة المالية، وسط مناخ بات فيه الخيار هو بين التطفيش أو الخضوع لاقتطاعات كبرى وغير مسبوقة...

حيث قامت مجموعة من التجار الحلبيين بإعلان إغلاق منشآتهم الصناعية والتجارية بعيد قيام وزارة المالية بفرض ضرائب باهظة. ومن أبرز هؤلاء كان الصناعي هشام دهمان الذي يمتلك مصنعاً للمواد البلاستيكيّة والذي استهجن عبر الفيسبوك فرض ضريبة عليه بلغت 7 مليارات ليرة سورية حيث قال: «تفاجأنا بالأمس (يقصد الثلاثاء) بدخول لجنة التكليف الضريبي إلى معملي في الشيخ نجار وتكليفها لي بمبلغ كبير من المال لا يستوعبه البنك المركزي... مليارات الليرات السورية، ومن صفحتي أعلن إغلاق هذه المنشأة الصناعيّة حتى نهاية هذه السنة ليقضي الله أمراً كان مفعولاً» على حد قوله.

ما دفعه إلى إعلان إغلاق مصنعه مُبدياً استياؤه من «البازار» الذي قام به موظفو المالية على مبلغ الضريبة حتى وصل إلى مليارين ومئتي مليون ليرة سورية تقريباً واصفاً أنّ كل قيمة المعمل بأرضه ومحتوياته لا تصل لهذا الرقم، وأن جلّ أمواله لا توازي حجم الضريبة، ليقوم وزير المالية بالرد متهماً إياه بكشف ضريبي خاطئ وأنّ حجم أعماله أكبر بكثير من المصرح عنه نافياً قيام الوزارة بتكليفه بما هو ليس منطقياً.
ويذكر أن وزارة المالية كشفت سابقاً عن تنظيم 1000 ضبط تهرب ضريبي خلال العام الماضي 2019، بمبلغ تجاوز 160 مليار ليرة سورية، مؤكدةً أنها مصممة على زيادة تلك الحصيلة ومنع التهرب.

المطلوب دعم حقيقي

من جهته، قال رئيس غرفة صناعة حلب فارس الشهابي «صحيح أن حقوق الخزينة العامة خط أحمر وعريض جداً أيضاً ولكن التسبب بإغلاق المنشآت المنتجة في هذه الظروف الصعبة ايضاً خط أحمر»، كما أضاف الشهابي أن «التسبب بحالة ذعر في المدن والمناطق الصناعية، وقتل الأمل عند أصحاب الأمل، خطوط حمراء».

وفي وقت سابق صرح الشهابي قائلاً: «يمكن القول وبدقة إنّ أرباح الصناعيين في سورية حالياً لا تتجاوز5 إلى 7 % ولا أعتقد أنّ هناك من تتجاوز أرباحه حالياً عتبة الـ 9 % إلا في نطاق محدود ولبعض الصناعات النادرة، بل يمكن القول إنّ هناك من هم في خانة الخسارة ويجب مساعدتهم للخروج منها فوراً... بينما يواجه صناعيون آخرون واقعاً أصعب يتجلى في توقف معاملهم عن العمل لسبب أو لآخر وهؤلاء يحتاجون لدعم حقيقي لإعادة الإقلاع مجدد».

رهان خاسر

بينما كان وما زال الحديث الرسمي يؤكد على أهمية القطاع الصناعي بوصفه قاطرة النمو، ورافعة الاقتصاد الوطني، وبأنه حجر الأساس في مرحلة إعادة البناء والإعمار المقبلة إلا أنه وفي كل اجتماع خاص بالقطاع الصناعي يكون الطرح ذاته، والمطالب المكررة نفسها والردود الرسمية، غالباً هي نفسها، فبالنسبة للحكومات المتعاقبة، والمطبقة لسياسات النهج الليبرالي، لا يعتبر هذا القطاع قاطرة للنمو وكل رهان على أن تتمخض هذه السياسات عن نتائج مختلفة عما آل إليه واقع وحال القطاع الصناعي بشكل خاص، والإنتاجي بشكل عام، هو رهان خاسر.

التمركز و(النهب VS التطفيش)

وبغض النظر عن عدة أسباب جلية ومهمة في تراجع الإنتاج من عدم توفر الطاقة، وعدم استقرار قيمة الليرة، واستمرار ظاهرة المضاربة عليها، وتحوّل السوق للتسعير بالدولار حتى لو عبر الليرة (أي أن الليرة أصبحت تدخل في التعاملات والتداولات بما تساويه من دولار)، والذي يساهم بشكلٍ مجمل في تعطّل الإنتاج أيضاً إلا أن هناك الكلف غير الرسمية الناتجة عن نشاط "حرامية البلد" كما اعتاد السوريون تسميتهم. والذي ينتج عنه تراجع الربح بشكل مباشر أو غير مباشر.

وأمام العجز الواضح الذي يعاني منه الصناعيون، نرى تسهيلات كبيرة لشركات أجنبية ولرجال أعمال معينين  يحصلون على قروض وتسهيلات دون غيرهم، ويُمنحون حق الاحتكار والسيطرة على السوق، وتفضيل نشاطات الاستيراد والتصدير بشكل واضح وعلني على النشاطات الإنتاجية، في سياسة أقل ما يمكن وصفها بسياسة التطفيش؛ لأنه وفي مثل هذه الظروف لن تنجح أية عمليات توسع استثماري، وإقامة صناعات تستبدل المستوردات، وستبقى محاولات فردية ضيقة تعمل بالحدود الدنيا لأن أي مستوى كبير من الإنتاج والربح يغطي جزءاً هاماً من حاجات السوق يضع مستثمريه في مواجهة مع قطاع الظل، وعليه حينها أن يختار أمراً من اثنين: إما أن يعمل في ظلهم، أو أن ينسحب بهدوء لصالح قطاع الظل، الذي يديره أمراء الحرب وروابطهم مع قوى النفوذ الكبرى لتغدو الهجرة خياراً وحيداً في واقع اقتصادي متردٍ و«سياسات تطفيش» تبدو وكأنها مقصودة، كل ذلك دفع العديد من الصناعيين للتفكير بجدية لإغلاق مصانعهم، وإخراج خطوط إنتاجهم لعدم وجود أي خطوات حقيقية لحمايتها أو أي قرار سياسي لبدء العملية الاقتصادية، ضاربةً عصب الدولة الأساسي، وبشكل أعمق وبأدوات داخلية لتفرخ الأزمة الأساسية أزمات أكثر وأكبر وأعمق وأشد حدة بحيث يصعب معها أية معالجة جزئية، وفي الوقت نفسه تعيد التأكيد على أنّ ما يجري في جوهره، وبغض النظر عن الأشكال التي يتمظهر فيها (سواء إشكالات تهرب ضريبي أو سواها) هو أنّ هنالك عملية تمركز إضافي للثروة تجري على قدم وساق، بحيث يجري حشد ما تبقى من ثروات البلد في أيد قلة قليلة من الحرامية الكبار وتجار الحرب...

كل ذلك يعيد التأكيد على الحقيقة الأكثر أساسية: لا اقتصاد ولا بلد حتى دون حل سياسي شامل يفتح الباب للسوريين ليبدؤوا بعملية تغيير جذري شامل لبنية بات التعفن سمتها الأساسية...