أفغانستان: المعتدي يغيّر مظهره
رغم إعلان الولايات المتحدة نيتها الانسحاب من أفغانستان، إلا أنه لا يزال ينظر إلى هذا الإعلان بعين الشك سواء من خصوم واشنطن أو حلفائها، ويعود سبب ذلك إلى المواربة والسلوك الأمريكي الذي يحاول إنجاز عملية الانسحاب لتخديم ضروراته في التصعيد على تخوم الصين في شرق آسيا، وبذات الوقت ضمان ألا ترتاح المنطقة تماماً بعد هذا الانسحاب.
في الرابع عشر من نيسان الماضي، نشر البيت الأبيض تصريحات الرئيس جو بايدن «حول الطريق إلى الأمام في أفغانستان»، والتي قال فيها: «مع وجود التهديد الإرهابي الآن في أماكن عديدة حول العالم، فإن إبقاء آلاف الجنود على الأرض ومركزين في بلد واحد فقط بتكلفة تقدّر بالمليارات كل عام أمر غير منطقي بالنسبة لي ولقادتنا... لقد استنتجت أن الوقت قد حان لإنهاء أطول حرب في أمريكا. لقد حان الوقت للقوات الأمريكية للعودة إلى ديارهم».
ورغم أن عملية الانسحاب الأمريكي بحد ذاتها هي مسألة إيجابية، من الواضح أن الولايات المتحدة ليست في صدد الكف عن التدخل في شؤون الدول، بل تحاول جاهدة أن تواصل تدخلها في أفغانستان تحت عباءة أخرى بالوكالة، حيث ستواصل دعم النظام التابع لها في كابول، بما في ذلك مواصلة دفع رواتب نحو 300 ألف جندي أفغاني، والاحتفاظ بجيش واسع من المتعاقدين مع الشركات الخاصة والذين يصل عددهم للآلاف، ومواصلة تشغيل عدد من القواعد الأميركية بالحد الأدنى، بما في ذلك على الأرجح قاعدة جوية.
وبهذا المعنى، لا ينبغي إغفال أن الولايات المتحدة ومن خلال حفاظها على عدد ضخم من المتعاقدين مع الشركات الخاصة ستواصل محاولاتها الحثيثة لإبقاء البلاد عرضة للفوضى المستمرة وحجر عثرة إلى هذا الحد أو ذاك في وجه مشاريع الربط التي تتبناها القوى الصاعدة المناهضة للهيمنة الأمريكية والغربية، وهو ما يتطلب بالضرورة عملاً معاكساً بهدف تصفية النفوذ الأمريكي في البلاد، وتجدر الإشارة إلى أننا اليوم نجد مؤشرات على مثل هذا العمل ليس داخل أفغانستان وحدها، بل حتى لدى دول الجوار.
بهذا المعنى، وعبر المحاولة الأمريكية البائسة للحفاظ على أدوات للتحكم بمرحلة ما بعد المغادرة، تفتح الإدارة الأمريكية الباب للاستفادة من «غيابها» عن البلاد لخلق هوامش حركة أوسع للقوى المتطرفة في أفغانستان ودول الجوار التي ترفض جميعها حتى الآن استقبال قواعد عسكرية أمريكية جديدة سيجري سحبها من أفغانستان. وهي الخطوة التي لاقت ردّ فعل سريع من جانب روسيا التي لا تزال تخوض حواراً مع عددٍ من دول آسيا الوسطى من أجل رسم خارطة طريق تسمح بالحفاظ على أمن دول المنطقة خلال المرحلة اللاحقة التي قد تشهد أعمالاً عسكرية خطيرة وتهديدات متعددة ومتنوعة تنطلق من أراضي أفغانستان بدعم وتأمين من القوات غير النظامية الموجودة في البلاد.