محرر الشؤون العمالية
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
نلقي الضوء على تاريخ الحركة النقابية والعمالية السورية لنكتسب خبرة عملها ونطلع على مواقفها تجاه مستغلي حقوق العمال وهذا تعكسه المؤتمرات النقابية التي كانت تعقد وما يطرح فيها من قضايا عمالية وسياسية تعكس وزن الحركة العمالية والنقابية في الحياة العامة لسورية، هذا الوزن الفعلي الذي ما كان بالإمكان تحقيقه دون تفاعل حي وحقيقي بين الحركتين على الأرض، إضافة إلى نشاط القوى الوطنية والديمقراطية السياسي والاقتصادي اللذين ساهما في خلق المناخ المناسب للحراك العمالي والنقابي حتى تمكنا من انتزاع تلك المطالب التي عبر عنها المؤتمر الذي ننشر في حلقتين مجرياته وما طرح فيه وما تبناه وما قرر بشأنه من قرارات.
من مفارقات السياسة الاقتصادية في سورية هو وضع سقوف للأجور والرواتب في مقابل تحرير الأسعار ورفع الدعم وبعكس ما ينص عليه الدستور الذي ربط في المادة الأربعين منه الحد الأدنى للأجور والرواتب بمستوى الأسعار وبما يضمن تأمين المتطلبات المعيشية وتغيّرها.
ينظم القانون /50/ لعام 2004 علاقات العمل في قطاع الدولة، متضمناً حقوق العمال، أجورهم، الزيادات الدورية، التعويضات وغيرها على أساس فئات مقسمة وفقاً لمؤهلات العاملين، أما عمال القطاع الخاص فيخضعون اليوم للقانون /17/ لعام 2010، الذي يمنح أرباب العمل اليد العليا في تحديد أجور العاملين والمكافآت، بالإضافة إلى قدرة رب العمل على تسريح العمّال، فالعقد شريعة المتعاقدين ومن يملك يحكم ويفرض شروطه..
القطاع العام والخاص الصناعي أكثر القطاعات الاقتصادية التي أثارت وما زالت تثير جدلاً واسعاً في الأوساط النقابية والاقتصادية، وهذا طبيعي كون هذا القطاع الهام هو الدريئة التي جرى ويجري تصويب النيران الغزيرة عليها من جانب قوى السوق، ومن داخل جهاز الدولة، وذلك عبر إجراءات جدّية اتخذتها بحقه الحكومات السابقة والحالية والفرق الاقتصادية الملحقة بها والحجج بهذا الموقف بأنه قطاع يشكل عبئاً على الدولة ومواردها والهجوم عليه خير وسيلة للدفاع عن تلك الموارد التي يمكن تحسينها عبر أشكال أخرى من الاستثمارات التي يمكن أن تكون عائديتها سريعة، ولا تحملنا الأعباء التي تتحملها الدولة، وتصب في هذا السياق جملة القوانين التي صدرت مثل قانون التشاركية وقانون الاستثمار بتعديلاته الأخيرة، حيث تمنّي الدولة نفسها بأن يتزاحم المستثمرون على جلب أموالهم وتشغيلها، وتساعدها بذلك جملة التسهيلات الكبيرة التي ستقدمها الحكومة للمستثمرين، ولا ندري إن كانت تعلم الحكومة بأن رأس المال يحتاج إلى سوق مستقر سياسياً وأمنياً، هذا في حال سمح لرأس المال هذا بالقدوم والاستثمار، لأن هذا المدعو مستثمر ليس حراً في حركته الاستثمارية، بل يخضع للمراكز المالية الإمبريالية، وهي من توجه حركته طالما هذه الحركة تفيد تلك المراكز سياسياً واقتصادياً.
الأزمة بين الحركة العمالية والقوى السياسية ليست وليدة الظروف الحالية أي: ظروف الأزمة الوطنية، بل هي تراكمية منذ عقود خلت، كان فيها مستوى الحريات السياسية والديمقراطية منخفضاً إلى حد بعيد، وما زال هذا الواقع مستمراً بأشكاله وألوانه المتعددة، الأمر الذي أدى إلى انكفاء الطرفين عن الفعل الحقيقي المؤدي إلى تطور تلك العلاقة وهنا تتحمل الحركة السياسية «التقدمية» مسؤولية إضافية بهذا الخصوص كونها تتسلح بنظرية تعبر أعمق تعبير عن الدور الذي ستلعبه الطبقة العاملة في عملية الانتقال من تشكيلة إلى تشكيلة أخرى وهذا يعني دورها في تسليح العمال عبر نقل الوعي السياسي لهم وبدورهم الأساسي في عملية التغيير التي يجري النضال من أجلها.
إنّ التغيرات التي أخذت تتوضح في مسار النضال العمّالي في أوروبا وأمريكا معقل النهب الإمبريالي ستكون ارتداداتها واضحة على منطقتنا في المدى المتوسط وقد يكون المنظور من حيث التأثير والفاعلية للدور المفترض أن تلعبه الحركات النقابية والعمالية، فهذه الحركات عاشت كما في المراكز الإمبريالية لعقود من التبعية والقبول بالرشاوى المختلفة التي كانت تقدمها ومازالت تلك المراكز للحركات النقابية وتمنعها من أن تدافع عن العمال الذين خسروا كل الامتيازات التي قدمت لهم في مرحلة الرفاه الاجتماعي وفي مرحلة هيمنة القطب الواحد، ولكن مع اشتداد التناقضات بين العمل ورأس المال، وتعمق الأزمة الرأسمالية ووصولها إلى طريق مسدود للخروج من أزمتها، وكذلك التغير الحاصل في ميزان القوى العالمي الحاصل اقتصادياً وعسكرياً جميعها مقدمات هامة لنهوض الحركة العمالية، والعمل على بناء جديد لوضعها التنظيمي بناءً قادراً على المجابهة وتحقيق انتصارات ولو كانت جزئية على قوى رأس المال، ولكنها هامة للبناء عليها وتطوير الهجوم باستمرار وهذا ما يحصل الآن عبر الإضرابات الشاملة والقطاعية في المواقع الإنتاجية والخدمية.
في جولة صباحية أو مسائية في الأحياء الفقيرة وحزام البؤس الذي يلف مدينة دمشق سيشاهد بأم العين أرتالاً من الأطفال المنتشرين في الأزقة والشوارع التي تقبع على جنباتها حاويات القمامة ونفايات المحلات والورش، ليلتقطها هؤلاء الأطفال والنسوة والشباب اليافعون، من أجل بيعها لمراكز جمع النفايات لإعادة تدويرها وهذا المشهد المأسوي المشاهد يومياً والخطير اجتماعياً يبدو أنه لم يشاهد من قبل أصحاب الدراسات والقرارات والاتفاقيات الدولية، التي تعقد مؤتمراتها في فنادق خمس نجوم، وهذه الفنادق لا تحوي تلك المشاهد التي تعبّر بشكل حقيقي عن مؤشر الجوع الذي وصل إليه شعبنا الفقير، الذي يقبل بأن يعمل أطفاله بهذه الأعمال، ويقبل بأن يتسرب الأطفال من مدارسهم ليتعرضوا في الشوارع لأبشع أنواع الانتهاكات الأخلاقية والجسدية التي لا تقرها تلك الاتفاقيات، ولكن تحدث في الواقع، والتي سنعرض بعضها.
كتبت الكثير من الدراسات وألقيت العديد من المحاضرات حول الصناعات النسيجية في سورية، وهذا الاهتمام العالي من بعض المختصين في الصناعات النسيجية مرده إلى أهميتها الاقتصادية وتجذرها في الصناعة السورية، وعمرها الطويل، حيث تطورت الصناعات النسيجية بشكل طفرات وبقيت من العقد الثاني من القرن الماضي وحتى عام 1933 تسود الصناعات النسيجية الأعمال اليدوية، بعدها بدأت تدخل إلى هذه الصناعة المكننة والآلات الحديثة بمقاييس ذلك الوقت، في دمشق وحمص وحلب، وبعدها جرى تجميع الشركات النسيجية وفقاً لقرار التأميم بـ 12 شركة يشرف عليها اتحاد الصناعات النسيجية.
تكثَّفت الاجتماعات الحكومية في الآونة الأخيرة بمختلف مستوياتها واختصاصاتها مع الفعاليات الاقتصادية التجارية والصناعية، للتباحث في الوضع السائد الذي تعيشه الصناعة بكل أطيافها وأشكالها، وهي تعيش في حالة من الموت السريري الذي يجعلها عاجزة عن الإقلاع بالإنتاج على الرغم من الميزات التي تتمتع بها الصناعات السورية من حيث إمكانية توفر موادها الأولية محلياً، وتوفر اليد العاملة والخبرات الفنية القادرة على أداء عملها الإنتاجي، ولكن هناك من يضع العصي في العجلات، ويعيق إلى حد كبير العملية الإنتاجية باعتبار الأخيرة تتعارض مع قوانين الربح العالي المفترض أن تحققه قوى النهب والفساد الكبيرين، من جرّاء عمليات الاستيراد لكل شيء حتى الهواء الذي نتنفّسه.
في اللقاءات بين النقابيين من خلال المؤتمرات سواء في منطقتنا العربية أو على الصعيد العالمي تجري نقاشات هامة حول أشكال المجابهة مع الأعداء الطبقيين، وتقرّ الكثير من التوصيات، ولكن تذهب جميعها أدراج الرياح «وكأنك يا أبو زيد ما غزيت» والسبب الجوهري في هذا أن معظم الحركات النقابية وخاصةً في منطقتنا لم ترَ بعدُ التغيّرات الحاصلة على الصعيد الدولي حيث لم يعد حال الدول كما كان وأن التغيرات الجارية على صعيد موازين القوى قد أضعفت الدول الإمبريالية في قدرتها على فرض إرادتها على مقدرات الشعوب كما كانت تفعل سابقاً وهذا عامل مهم في المواجهة معها اقتصادياً وسياسياً وهذا ما بدأت تدركه الطبقة العاملة في المراكز الإمبريالية وحتى في الأطراف حيث أعادت تنظيم صفوفها وصياغة قراراتها المستقلة بمعزل عن النقابات الصفراء التي كانت عامل كبح لحراك الطبقة العاملة وعامل إجهاض لمواجهتها لأعدائها الطبقيين بينما الحركات النقابية التقليدية ما زالت تفت في نفس الصحن وقراراتها مرهونة لحكوماتها، وحكوماتها هي من تتبنى السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي في جوهرها معادية لمصالح وحقوق الطبقة العاملة، وهذا تناقض كبير تقع به الحركات النقابية ويجعلها غير قادرة على اتخاذ القرارات الضرورية التي تمكّن الطبقة العاملة من انتزاع حقوقها الاقتصادية والسياسية والديمقراطية.