المؤتمر الثامن لنقابات العمال في سورية 1955 (1)

المؤتمر الثامن لنقابات العمال في سورية 1955 (1)

نلقي الضوء على تاريخ الحركة النقابية والعمالية السورية لنكتسب خبرة عملها ونطلع على مواقفها تجاه مستغلي حقوق العمال وهذا تعكسه المؤتمرات النقابية التي كانت تعقد وما يطرح فيها من قضايا عمالية وسياسية تعكس وزن الحركة العمالية والنقابية في الحياة العامة لسورية، هذا الوزن الفعلي الذي ما كان بالإمكان تحقيقه دون تفاعل حي وحقيقي بين الحركتين على الأرض، إضافة إلى نشاط القوى الوطنية والديمقراطية السياسي والاقتصادي اللذين ساهما في خلق المناخ المناسب للحراك العمالي والنقابي حتى تمكنا من انتزاع تلك المطالب التي عبر عنها المؤتمر الذي ننشر في حلقتين مجرياته وما طرح فيه وما تبناه وما قرر بشأنه من قرارات.

انعقد المؤتمر الثامن للنقابات العمالية في سورية على مدرج جامعة دمشق في 25 آذار 1955، وشارك فيه مندوبون عن أكثر من 200 نقابة عمالية. وترأس القائد الشيوعي إبراهيم بكري جلسات المؤتمر الثامن لعمال سورية.
وصدر قبل المؤتمر بفترة، العدد الأول من جريدة الحزب الشيوعي «جريدة النور»، وترأس تحريرها القائد الشيوعي الشهيد فرج الله الحلو. ونشرت الجريدة برقية قادة النقابات العمالية في سورية، الشيوعيَّين إبراهيم بكري وخليل الحريري، الموجهة إلى الحكومة، حيث يحتجون فيها على أعمال الشرطة الموجهة ضد عمال الباصات المضربين ويعبرون عن تضامنهم مع المضربين.
انعقد المؤتمر الثامن تحت شعار وحدة الحركة العمالية والنقابية في البلاد. وقدم إلى الحكومة المطالب التالية:

• وقف الملاحقات بحق الشخصيات القيادية في النقابات.
• منح النقابات حرية النشاط.
• السماح بحق الإضراب.
• وقف تسريح العمال التعسفي.
• زيادة أجور عمال ومستخدمي المؤسسات والشركات الحكومية.
• اتخاذ إجراءات ضد البطالة.
• تحسين حالة العمال الزراعيين.
• تحسين التأمينات الاجتماعية والخدمات الطبية للعمال.
• اتخاذ إجراءات تتعلق بالدفاع عن الصناعة الوطنية وحمايتها من رأس المال الأجنبي.
• الكفاح في سبيل السلم وضد الحرب، وضد الحلف التركي العراقي العدواني.

لعب الشيوعيون بزعامة رئيس المؤتمر الثامن إبراهيم بكري دوراً حاسماً في وضع مطالب العمال في المؤتمر. واتخذ المؤتمر قراراً بإرسال وفد للمشاركة في أعمال مؤتمر شعوب آسيا في دلهي. وفي اليوم الذي أنهى فيه المؤتمر أعماله، جرت مظاهرة ضخمة في دمشق رفعت الشعارات التي نادى بها المؤتمر، وتزعم الشيوعيون هذه المظاهرات. لقد أبرز المؤتمر الثامن لنقابات العمال في سورية نمو وعي الطبقة العاملة في سورية، هذه الطبقة التي بدأت تلعب دوراً بارزاً أكثر فأكثر في الحركة الوطنية الديمقراطية في البلاد.
كان رئيس المؤتمر الثامن إبراهيم بكري قد ألقى خطاباً مهماً في المؤتمر ننشره كاملاً:
لقد دل هذا العرض الذي قام به عمال دمشق هذا اليوم، معبرين فيه عن مطالب وآمال عمال سورية في بأسرها، على أن الطبقة العاملة السورية، قد أصبحت طبقة تلعب دورها الرئيسي في حياة البلاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال طمس دورها والتنكر لمطالبها، وبات من المحتم على المسؤولين أن يلبوا هذه المطالب الحقة وأن يعيروها الاهتمام الكافي، ويعملوا على تحقيقها، لأن في ذلك دون ريب، مصلحة لفئة كبيرة من أبناء شعبنا، من أبناء وطننا الغالي العزيز.

مطالب العمال الاقتصادية

لا أريد الإسهاب في وصف حياه العمال ومعيشتهم، إنها معروفه لدى الجميع، واعتقد أن كل إنسان يطلع على حقيقة أوضاع جماهير العمال الواسعة الغفيرة بتجرد، لابد أن يوافق معي على ضرورة تأييد هذه الطبقة وتحقيق مطالبها في رفع مستوى معيشتها وحياتها وعملها. فالحد الأدنى للأجور وهو 275 قرشاً في اليوم، هذا إذا طبق ونفذ، لا يكاد يكفي معيشة شخص واحد فقط، فكيف يمكن أن يسد هذا المبلغ نفقات عائلة بكاملها؟ ولكن لدينا الأدلة الكافية، على أن هناك قسماً كبيراً من العمال لا يحصلون على هذا الحد أيضاً، ومن المؤسف أن تكون هناك فئة كبيرة من عمال المؤسسات العامة ومصالح الدولة نفسها لا يشملهم هذا المبدأ كعمال البلديات والأشغال العامة.
فالعمال كلهم يطالبون برفع الحد الأدنى العام للأجور وتطبيقه وتنفيذه بأمانة وإخلاص وهناك الفئات الأخرى من العمال ما زالت أجورهم عرضة لجشع الشركات وخصوصاً الشركات الأجنبية وكبار أرباب العمل، يتحكمون بها كما يشاؤون، ولكن المسؤولين لم يتخذوا التدابير اللازمة لإجبارهم على التقيد بالحدود الدنيا للأجور والمتعلقة بمختلف فئات العمال، فالواجب يقضي بأن تعمل السلطات على تطبيق قراراتها وتنفيذها، إذ ما الفائدة من أجمل القرارات إذا كان العمال لا يستفيدون منها فائدة عملية.
وأما ساعات العمل، فهي وإن تكن محدودة بالقوانين، فإن هذا التحديد لم يقف في وجهه أرباب العمل الذين يزيدون ساعات العمل باستمرار دون أن تعمل السلطات على وقف هذه الهجمات المتكررة من أرباب العمل لزيادة يوم العمل.
ويلجأ أرباب العمل إلى أساليب الضغط والتهديد بالتسريح للعمال الذين لا يرغبون العمل أكثر من 8 ساعات، ولا يجد هؤلاء حماية تقيهم من شر ما يفرض عليهم.

مطالب الفلاحين

وما من شك في أن البطالة تلعب دوراً رئيسياً في التمهيد لأرباب العمل بإنقاص الأجور وزيادة ساعات العمل ومدته، إذ إن جيش العاطلين الاحتياطي المؤلف من العمال المسرحين من أعمالهم إلى جانب العدد الغفير من الفلاحين الفقراء الذين يهجرون القرى إلى المدن طلباً للرزق، يشكل مشكلة اجتماعية تتطلب علاجاً جذرياً سريعاً. وذلك عن طريق رفع مستوى الريف ومنع طرد الفلاحين من أراضيهم، وإنشاء مشاريع صناعية وطنية وحمايتها.
لا تكتفي الشركات وكبار أرباب العمل بهذا الهجوم المستمر بل إنهم يلجؤون إلى استنزاف آخر قطرة من عرق العمال، عن طريق فرض الغرامات الباهظة لأتفه الأسباب.
إن الطبقة العاملة السورية سوف تتابع نضالها باستمرار لتطبيق الحد الأدنى للأجور وزيادته، ولأجل تطبيق مبدأ ثماني ساعات عمل في اليوم، والحد من الغرامات والتسريح التعسفي، وستصل حتماً إلى مطالبها بوحدتها وتضامنها وقوة نقاباتها.

عمال سورية يؤيدون عمال المؤسسات العامة

ومن المؤسف حقاً أن قانون الترفيه عن الموظفين لم يشمل العمال، بحجة أوهن من خيط العنكبوت، ومن المؤسف أيضاً أن قرار الحكومة بشأن زيادة أجور عمال ومستخدمي الدولة والمؤسسات العامة التي طالب بها هؤلاء العمال، لم يكن شاملاً كافياً، فقد استثنى هذا القرار العمال المؤقتين في زيادة الأجور، وكأن هؤلاء يعيشون في المريخ لا على أرض هذا الوطن. كما استثنى هذا القانون فئات الكبرى من العمال المثبتين أيضاً ولا أدري لعمري لماذا هذ التفريق بين العمال وتفضيل المثبتين على الجدد، مع أن الجميع يشتغلون في مؤسسات واحدة، وأن عمال سورية بأسرها متضامنون مع عمال المؤسسات العامة في طلبها المشروع بأن تشمل زيادة الأجور كافة العمال دون استثناء أو تسوية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1082