اليوم العالمي لمكافحة عمالة الأطفال

اليوم العالمي لمكافحة عمالة الأطفال

في جولة صباحية أو مسائية في الأحياء الفقيرة وحزام البؤس الذي يلف مدينة دمشق سيشاهد بأم العين أرتالاً من الأطفال المنتشرين في الأزقة والشوارع التي تقبع على جنباتها حاويات القمامة ونفايات المحلات والورش، ليلتقطها هؤلاء الأطفال والنسوة والشباب اليافعون، من أجل بيعها لمراكز جمع النفايات لإعادة تدويرها وهذا المشهد المأسوي المشاهد يومياً والخطير اجتماعياً يبدو أنه لم يشاهد من قبل أصحاب الدراسات والقرارات والاتفاقيات الدولية، التي تعقد مؤتمراتها في فنادق خمس نجوم، وهذه الفنادق لا تحوي تلك المشاهد التي تعبّر بشكل حقيقي عن مؤشر الجوع الذي وصل إليه شعبنا الفقير، الذي يقبل بأن يعمل أطفاله بهذه الأعمال، ويقبل بأن يتسرب الأطفال من مدارسهم ليتعرضوا في الشوارع لأبشع أنواع الانتهاكات الأخلاقية والجسدية التي لا تقرها تلك الاتفاقيات، ولكن تحدث في الواقع، والتي سنعرض بعضها.

اتفاقية لا يُعمل بها

تعتبر اتفاقية حقوق الطفل أحد المواثيق الدولية التي تُعنى بحقوق الأطفال المدنية السياسية والاقتصادية والثقافية، حيث بينت الدراسة التي قام بها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع المكتب المركزي للإحصاء عام «2003-2004»، وهي الدراسة الوحيدة التي اعتمدت على المسح الميداني والإحصاءات، والتي دلّت بشكل واضح وجليِّ على واقع الأطفال، وما يعانونه في ظل تفاقم الفقر والبطالة، وأن هناك أعداداً كبيرة من الأطفال يلتحقون بسوق العمل لحاجة أسرهم لعملهم لأسباب عدة أهمها: ارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
لقد أقرت المادة /32/ من اتفاقية حقوق الطفل: أنّ من حق الطفل أن يتمتع بالحماية من مزاولة أي عمل يرجَّح أن يكون خطيراً، أو أن يمثل إعاقة لتعليم الطفل، أو أن يكون ضاراً بصحة الطفل أو بنموه البدني، أو العقلي، أو الروحي، أو المعنوي، أو الاجتماعي، وأكدت الاتفاقية على الدول الأعضاء الموقَّعة على الاتفاقية: وضع القواعد الخاصة بتحديد حدٍّ أدنى لعمر الطفل للالتحاق بالعمل، ووضع نظامٍ مناسب لساعات العمل وظروفه. كذلك اتخاذ التدابير التشريعية والاجتماعية والتربوية كافة، التي تضمن تنفيذ هذه المادة.

الإجراءات الفورية

أقرت منظمة العمل الدولية الاتفاقية رقم /182/ لسنة 1999 بشأن حظر أسوأ أشكال عمالة الأطفال والإجراءات الفورية للقضاء عليه. وحظرت المادة /3/ من الاتفاقية استخدام أشكال الرّق كافة، أو الممارسات الشبيهة بالرّق والعمل القسري أو الإجباري. بما في ذلك التجنيد الإجباري للأطفال، وتشغيل الطفل في أنشطة غير مشروعة، والأعمال التي قد تؤدي إلى الإضرار بصحته، مثل: العمل على الآلات أو المعدات الخطرة، والعمل في المناجم، أو تحت المياه أو على ارتفاعات خطرة، والأعمال التي تُزاوَل في بيئة غير صحية يمكن أن تعرِّض الأطفال للخطر، على سبيل المثال: درجات الحرارة المرتفعة، ومستوى الضجيج العالي، أو العمل أثناء الليل، والعمل لساعات طويلة. وألزمت المادة /7/ من الاتفاقية الدولية على اتخاذ كل التدابير الضرورية لضمان تطبيق قواعد هذه الاتفاقية بشكل فعال، ونوّهت إلى أهمية التعليم الإلزامي في القضاء على عمل الأطفال، وقد عرَّفت الطفل في المادة /2/ منها: جميع الأشخاص الذين دون سن الثامنَ عشرة من العمر.

إحصائيات مهمة ولكن الأهم أن ننهي مسبباتها

حسب المؤتمر الذي عقد في جنوب إفريقيا، أن 152 مليون طفل حول العالم منخرطون في عمالة الأطفال، وأضاف التقرير أن 5-17 سنه نصفهم بعمر 5-15 سنه، وأكثر من نصفهم «73» مليون يزاولون أعمالاً غير آمنه في بيئات خطرة أو يعاني من الاستعباد وغيره من أشكال العمل الجبري والأنشطة غير المشروعة.
وقد حدد المؤتمر عام 2025 عام القضاء على عمالة الأطفال، ولكن هذا التحديد هو أمنيات المشاركين فقط، لأن القضاء على عمالة الأطفال مرهون بعوامل كثيرة أهمها: الخلاص من الاستغلال والنهب لثروات الشعوب التي تجعل الشعوب تعيش في حالة فقر شديد، تدفعهم نحو السماح بتشغيل أطفالهم بأعمال تتعارض مع حقوق الطفل، التي هي جزء من حقوق الأهل في عمل لائق وأجور حقيقية تؤمن مستوى معيشياً يمنع الأهل من دفع أطفالهم نحو سوق العمل.

قوانين تُجيز عمالة الأطفال

أما قانون العمل رقم /17/ لعام 2010: فقد اعتبر الطفل أو الحدث الذي لم يُنهِ التعليم الأساسي، أو لم يتم السنة الخامس عشرة من العمر. لكنه سمح من جانب آخر في المادة /116/ بتشغيل الحدث بعد موافقة الوليّ أو الوصي الخطَّية. وقانون العمل رقم /50/ لعام 2004 الخاص بعمال الدولة، اعتبر الحدث في المادة /7/ - ب – الذي لم يتمّ السنة الثامنَ عشرة من عمره، إلّا أنه أعطى استثناءً لتشغيل الأحداث في المواقع الإنتاجية ضمن الشروط والحالات الواردة في النظام الداخلي للجهة صاحبة التعيين، وهذه المواد المتضمنة في قوانين العمل السورية أباحت عمالة الأطفال والأطفال الذين يعملون أصلاً غير خاضعين لقانون يحميهم سوى قانون السوق، الذي يعمل نخراً في أجسادهم النحيلة والضعيفة.
يمكن أن أورد قصة سمعتها على لسان صاحبها وهو طفل في العاشرة من عمره سألته: بأي صف تدرس؟ قال لي: أنا لا أدرس، أنا أشتغل، وكان برفقة والدته، وتابع: إني أعمل بشغل يُدر ذهباً، وأصبح عندي فضول لأعرف ما هو الشغل الذي يُدر ذهباً، حيث قال لي: أنا أعمل بنبش الزبالة، وكيلو الكرتون بـ 600 ل. س وغيرها من المواد التي تجعلني أساعد أمي في معيشة إخوتي الأيتام، حيث فقدنا والدنا مبكرين.
هذه القصة غيض من فيض، لا يمكن حلها بالقرارات والمؤتمرات والتوصيات، وحلولها تكون عند الناس، عندما يعون حقوقهم، ويتنظموا على أساسها والبقية عندكم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1074
آخر تعديل على الأحد, 12 حزيران/يونيو 2022 23:49