محمد الفياض
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
الحرائق.. والرقة!! نعم.. وهذا ليس عنواناً لفيلم خيالي، بل هو تعبير مكثّف عن واقع مؤلم يتمُّ ليس بفعل (مجهول مفترض) كحرائق الغابات في الكفرون ومشتى الحلو وغيرهما من مناطق الجبال الساحلية المشهورة بغاباتها، وإنما بفعل الأهالي من الفلاحين أنفسهم، حرائق تذكرنا بالحرق المتعمد الذي قام به نيرون لمدينة روما، أو تجعلنا نظن أنفسنا في أجواء معركة حامية الوطيس!؟
مدينة الرقة.. بكل ما فيها من عبق الحضارة، إذا جئت إليها سيؤلمك ما تراه من إهمال لتاريخها وحاضرها ومستقبلها المفترض، عبر إهمال مشهدها العام الذي لا يشجّع أحداً على زيارتها أو الإقامة فيها..
جرت انتخابات اتحاد الفلاحين في الرقة فأسفرت عن تعيين رئيس الاتحاد الجديد، وأثناء انتخابات الاتحاد العام للفلاحين أصبح هذا الرئيس عضواً في الاتحاد العام وبقي مكانه شاغراً، فدعي مجلس رابطة الثورة ومجلس اتحاد المحافظة بالرقة لانتخاب رئيس وملء الشاغر، إلا أنهم لم يوفقوا، ولم تجر انتخابات، بل أجّل الموعد حتى إشعار آخر.
أربعة عقود مرت منذ أن تم إنشاء المزارع في محافظة الرقة، وفق مخططات تنظيمية نموذجية، قامت ببنائها وزارة سد الفرات آنذاك.. شوارع وحدائق ومرافق عامة مختلفة وضعت لتخديم الفلاحين والعمال مع أسرهم وأطفالهم، لكنها بكل أسف، بقيت محرومةً من قضيتين أساسيتين..
إنّ المتابع لما يجري على مستوى الوطن، يجد أنّ كثيراً منه شكل دون مضمون فعلي وعملي، أو يجري تطبيقه بشكل مشوّه يفاقم معاناة المواطنين بدل أن يقوم بحل مشاكلهم، وقسمٌ كبيرٌ منه يصبح وهماً وخداعاً للمواطنين..!!
لعل الضربة الكبيرة التي تعرض لها فلاحو الوطن ومنهم فلاحو المنطقة الشرقية: الرقة والحسكة ودير الزور، هي رفع الدعم عن المازوت وما ترتب عليه من ارتفاعات أخرى كالحراثة وغيرها، وآثار ذلك على الزراعة ككل ومنها المحاصيل الاستراتيجية كالقمح والقطن والذرة التي تمس أمن الشعب الغذائي وأمن الوطن الاقتصادي.. وقد اعتقد البعض أنّ هذه الضربة ستكون الأخيرة، وصدقوا ما تقدمه الحكومة من وعود، لكن الضربات توالت فيما بعد بما صدر من قرارات وما تقوم به من ممارسات، كرفع أسعار السماد واستيراده وكذلك بقية مستلزمات الإنتاج الزراعي، إلى ما جرى مع الشوندر وامتناعها عن استلام محصول الذرة وتأخيرها سداد الفواتير.. و.. و.. فلم يعد الفلاحون بخير، وبالتالي لم يعد الوطن بخير!!
أنشئت مزارع الدولة عام 1972، وحلّت بقرار تعسفي عام 2002، وهذه التجربة رغم كل السلبيات التي عانت منها فقد كانت ناجحة، وبعد حل المشروع الرائد، أعيد كثير من الأراضي إلى الملاكين الإقطاعيين، ووزع قسم منها على العمال الزراعيين، وهؤلاء هم المستحقون فعلا لأنهم هم المنتجون، فتحولوا من عمال زراعيين لدى الدولة إلى فلاحين منتفعين حققوا نتائج جيدة في الإنتاج، ويعاني حوالي 70 % منهم صعوبات ومعيقات متنوعة أهمها: بعد المزارع عن أماكن السكن حوالي 7 كم، وهذا ولّد لهم مشاكل متعددة منها:
منذ عدّة سنوات والمؤسسة العامة لتنمية حوض الفرات في الرقة، التابعة لوزارة الري، تستخدم عمالاً بصفة عمال عرضيين، أي مؤقتين، يزيد عددهم على مائتي عامل، وهؤلاء يعملون في مجال تشغيل الري في مزارع المشروع الرائد، وبعض المشاريع الأخرى، ويعانون في عملهم من حرّ الصيف وبرد الشتاء، لأن أغلب مواقع عملهم موجودة على الأقنية، دون أبنية تؤويهم، ومعظمهم أمضى عشرة أعوام متصلة في العمل، والشيء الذي يجب الوقوف عنده أنهم طيلة الفترة السابقة يعملون دون تثبيت، أو حتى عقود وصكوك رسمية نموذجية؟!
الفلاح يزرعُ ليس فقط ليعمل ويشعر أنه موجود، بل ليأكل ولتعيش أسرته وحيواناته، وليطعم الآخرين من أبناء الوطن، ورغم كُلّ المصائب التي تنهال عليه من الحكومة، ومن الأحوال الجوية أيضاً وحتى لو لم يُحقق نتائج جيدة، مازال متمسكا ًًبالقليل الذي يسد له الرمق الأخير فليس لديه مصدر آخر..
يقول المثل : أن تأتيَ متأخراً أفضل من ألاّ تأتي..
بعد تهميش متعمد ومعاناةٍ مريرة لأبناء المنطقة الشرقية الطلاب جاء إحداث جامعة الفرات متأخراً على الأقل ثلاثة عقود.. وما زال التهميش مستمراً وكان سبباً مهماً من أسباب انفجار الحركة الشعبية لأنّ الجهات والقيادات المسؤولة المركزية أولاً والمحلية ثانياً.. إمّا غارقة في الفساد والنهب.. وإمّا نتيجة الإهمال واللامبالاة والخوف والجهل وسوء التخطيط..