الفلاحون والحكومة: ويستمر تخبُّط السياسات الزراعية..
لعل الضربة الكبيرة التي تعرض لها فلاحو الوطن ومنهم فلاحو المنطقة الشرقية: الرقة والحسكة ودير الزور، هي رفع الدعم عن المازوت وما ترتب عليه من ارتفاعات أخرى كالحراثة وغيرها، وآثار ذلك على الزراعة ككل ومنها المحاصيل الاستراتيجية كالقمح والقطن والذرة التي تمس أمن الشعب الغذائي وأمن الوطن الاقتصادي.. وقد اعتقد البعض أنّ هذه الضربة ستكون الأخيرة، وصدقوا ما تقدمه الحكومة من وعود، لكن الضربات توالت فيما بعد بما صدر من قرارات وما تقوم به من ممارسات، كرفع أسعار السماد واستيراده وكذلك بقية مستلزمات الإنتاج الزراعي، إلى ما جرى مع الشوندر وامتناعها عن استلام محصول الذرة وتأخيرها سداد الفواتير.. و.. و.. فلم يعد الفلاحون بخير، وبالتالي لم يعد الوطن بخير!!
فهل ما قامت به الحكومة هو مجرد تناقضات فقط.. فترفع الدعم عن المازوت من جهة، وتقرر دعم بعض المحاصيل الزراعية - وما رافق ذلك من تطبيل وتزمير - من جهة أخرى، أم أنه خداع وكذب، أم الاثنان معاً وهو ما تثبته الوقائع على الأرض!؟ وما هو الهدف من كلّ ذلك، ولمصلحة من؟
لقد وعدت الحكومة الفلاحين أن تقدم لهم 800 ليرة دعماً لكل دونم يزرعونه قطناً، لكن عهودها ومواعيدها كانت كمواعيد (عُرقوب) بما وضعته من تعقيدات واجراءات أفرغت الدعم من محتواه وزادت معاناة الفلاح من بؤر الفساد. وعلى سبيل المثال: خصصت الوحدات الارشادية التي يرأسها مهندس زراعي، لكل جمعيةٍ فلاحية مراقباً زراعياً أو بيطرياً، يقوم هذا المراقب أو غيره بجولة على حقول القطن ما بين حزيران وتموز لتقدير المساحات بالعين المجردة، أو يسأل الفلاح، وكذلك يقدر كمية الإنتاج ويعطي أرقاماً لا يمكن أن تكون دقيقة لأن القطن في هذه الفترة في مرحلة الطور الثاني، حيث يُقدر إنتاج الدونم 500 كغ.. ناهيك عن الظروف الجوية واحتمالات الإصابة بالأمراض والحشرات التي تؤثر على كمية الانتاج، وعندما لا يحقق الفلاح ذلك وهو الأغلب، يُحرم الفلاح من الدعم، ويضيع جهده ويخرج خاسراً أو خالي الوفاض في أحسن الأحوال.
أما دعم محصول الذرة فهو مثل شقيقه القطن، بل وأكثر مأساويةً، حيث خُصص لكل دونم 1000 ليرة دعماً كما سُمح باستيراد الذرة من الخارج، وأيضاً تخلّت الحكومة الموقرة عن استلامه، مما حدا بالفلاحين إلى محاولة تجفيفه في العراء بأنفسهم، لكن الظروف الجوية كانت لهم بالمرصاد فاجتاحته الأمطار، وما نجا من المطر بيع للتجار بثمنٍ بخسٍ هو ثلاث ليرات، وفي أحسن الأحوال بسبع ليرات لا تغطي من جمل التكاليف أذنه فقط، وهؤلاء التجار قاموا بتخزينه في مستودعاتهم وخاناتهم. لكن ما قامت به الحكومة بعد ذلك يكشف أشياء كثيرة، حيث أصدرت قراراً جمركياً يفرض ضريبةً على كل كغ ذرة مستورد ثلاث ليرات، مما رفع سعر الذرة لدى التجار إلى أكثر من عشر ليرات، وكانوا هم المستفيدين من هذه الدوامة التي دخل فيها الفلاح، والخاسر الأكبر هو الفلاح والشعب والوطن!؟
إننا نتساءل :هل ما قامت به الحكومة من رفع دعم عن المازوت، إلى تقديم دعم لبعض المحاصيل، هو تناقضات أم كذب وخداع!؟ وما تقوم به من ممارسات وما تصدره من قرارات وقوانين هو لخير الفلاح والوطن أم لمصالح التجار وكبار الفاسدين ونهب مباشر!؟
نعتقد أن الإجابة واضحة، وكل ذلك يخلق بؤر توتر اجتماعية تصب في مصلحة أعداء الشعب والوطن، وبات من الضروري اليوم قبل الغد ترحيل هذه السياسة الزراعية وهذا النهج الاقتصادي الليبرالي والقائمين عليهما من أجل الحفاظ على كرامة الوطن والمواطن!