د.أسامة دليقان
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
نشأ جهاز الدولة تاريخياً كأداة ملازمة للمجتمع الطبقي، فرضتها ضرورة إدارة مصالح الطبقات الاجتماعية المختلفة بطريقة تتناسب مع قواها النسبية في المجتمع، ولمّا كانت طبقة واحدة هي الأقوى عادةً بحكم امتلاكها لوسائل الإنتاج الاقتصادي، سواءً كانت هذه الطبقة أقلية عددية مستغلّة، كما في جميع التشكيلات الطبقية غير الاشتراكية، أو تمثل أكثرية المجتمع، في التشكيلة الطبقية الاشتراكية، فإنّها لن تستطيع الاستمرار في السيطرة الاقتصادية دون امتلاك زمام السيطرة السياسية عبر استخدام جملة أدوات تلجم بوساطتها بشكل مستمر مقاومة الطبقات الأخرى، أو تحصر قواها بمسارات واتجاهات تجعلها على الأقل حياديّة، إذا لم تستطع تسخيرها لخدمتها. سنحاول في هذه المادة البحث في المستجدات على جهاز الدولة في سورية، وما هي مصائره؟
إنّ الفهم الدقيق لتفريق ماركس بين الاغتراب (كتموضع مستَلَب) والتموضع الإنساني، يمكّننا من توجيه نقد علمي للأخطاء النظرية والعملية في هذا المجال، والتي وجدت في تاريخ الحركات الثورية والشيوعية، وازدادت وتعمّقت مع بدء تراجعها منذ ستينيات القرن العشرين.
أمام موجة العنف الأخيرة التي تعصف بالبلاد بشكل متصاعد منذ أسبوعين، لعلّ الأهم من التوقف عند التفاصيل الميدانية، وخاصة في المدن الرئيسية والعاصمة
أمام موجة العنف الأخيرة التي تعصف بالبلاد بشكل متصاعد منذ أسبوعين، لعلّ الأهم من التوقف عند التفاصيل الميدانية، وخاصة في المدن الرئيسية والعاصمة
تشكّل المقولات العامة والمعوّمة حول «الديمقراطية»، و«حقوق الإنسان»، أحد العناصر الرئيسية الواسمة لهويّة الخطاب التقليدي لبعض المعارضة من الفضاء السياسي السوري القديم، كنقيض للقمع والاستبداد، والذي يقصد به غالباً الشكل الظاهر للقمع الأمني فقط، فيصبح تغيير هذا الشكل هو الهدف السياسي المعلن والوحيد لتلك القوى، والتي تركّز بذلك على النتائج، والأدوات والأذرع بدلاً من السبب الأصلي، الذي دون استهدافه سياسياً لا يمكن تحقيق أي تغيير جذري حقيقي
إنّ جزءاً هاماً من أسباب الهجوم على سياسة حزب الإرادة الشعبية ووضعه في مرمى تقاطع النيران من القوى اللاوطنية، يعود إلى كون مشروعه الوطني الواضح المعالم للحل السياسي الشامل للأزمة على المدى القريب وتصوره لسورية المستقبل على المدى البعيد.
كشفت الأحداث الدراماتيكية خلال الأسبوع الماضي، من اغتيال القيادات في العاصمة دمشق، وتصعيد عسكري لميليشيات «الجيش الحر»، عن وصول الأزمة السورية إلى مرحلة مفصلية حساسة، تعبّر عملياً عن وصول أزمة القوى الإمبريالية-الصهيونية ورأس حربتها الأمريكية وكلّ المرتبطين بها إلى الذروة التي اضطرتهم في نهاية المطاف إلى اللجوء إلى لعب ورقتهم، الأخيرة ربما، أي الشروع بتطبيق «الخطة ب»، بما تنطوي عليه من تفجير الألغام داخل النظام والمجتمع، والتي كانت «مندسّة» بأمان وهدوء داخل أجهزة الدولة منذ سنوات طويلة على ما يبدو.
ترتدي مسألة النضال الاقتصادي للجماهير أهمية خاصة في ظل الأزمة المعقّدة التي تعصف بالبلاد، وتأتي صعوبات هذا النضال من خلال كون الأزمة مركّبة، فالجماهير كانت أصلاً قبل الأزمة ولعقود طويلة معتادة على مستوى منخفض للغاية من التحرك دفاعاً عن حقوقها المعيشية وبالحد الأدنى الذي لا يرقى حتى إلى الدرجة العادية من النضال المطلبي غير السياسي الموجود عند الطبقات الشعبية والعاملة في البلدان الرأسمالية في المركز، وفي الوقت الذي لا يمكن أن يوجد للأزمة إلا حلّ سياسي اقتصادي-اجتماعي وطني شامل، يفرض الواقع على الجماهير وتمثيلاتها السياسية مهام صعبة ومتعددة المراحل يبدو أنها أمام تحدي أن تنجزها بما يشبه عملية حرق المراحل، إذ لا يمكن إنضاج نضال سياسي فعال إلا بعد تبلور مضمونه الاقتصادي-الاجتماعي الواعي لمصالحه الطبقية.
إنّ التقدم في المواقف والتوافقات الدولية الجديدة حول الأزمة السورية نحو ضرورة حلها سلمياً وعقد الحوار سيؤدي بشكل طبيعي إلى أنْ تقدم الأطراف المعادية للحل بالمقابل إلى تصعيد عبر استمرار العنف النزيف والدمار ليس بالشكل الميداني العسكري فقط بل وكذلك السياسي والاقتصادي-الاجتماعي
قد يعتقد كثير من السوريين تحت ضغط الأزمة، وتعقيداتها الأمنية والمعيشية التي تحشرهم في عنق زجاجة، أنّ أي حديثٍ متفائل عن مستقبل أجمل سيأتي، هو إما ضربٌ من سخرية مرّة،