«ما في شغل لنشتغل»
فرح عمار فرح عمار

«ما في شغل لنشتغل»

مع ازدياد التدهور الاقتصادي والمعيشي وعدم وجود حلول قريبة بادية للعيان إلّا فقاعات التصريحات المليئة بالوعود والنظريات الاقتصادية والرؤى الاستثمارية وغيرها من حملات الترويج الإعلامي، تصاعدت في الشهرين الماضيين نسبة البطالة الكلية والجزئية. ورغم غياب البيانات والإحصاءات الرسمية، تبقى مسألة تقدير حجم البطالة والتعطيل القسري عن العمل اجتهاداً ممارساً من الرؤى الواقعية للمجتمع، وضمناً سوق العمل، حيث يمكن رصد ظواهر معينة من خلال الواقع المعاش تعطينا نتائج أقرب ما تكون للحقيقة. وكمثال على ذلك، حجم المنشآت الصناعية الكبيرة والمتوسطة التي توقفت كليّاً أو قلصت الطاقة الإنتاجية لها، وكذلك توقف مئات المعامل الصغيرة والورشات والمحال الحرفية عن العمل بشكل كلي أو جزئي. وهذا المثال مؤشر مباشر لانضمام عشرات الآلاف من العمال إلى أخوتهم في جيش العاطلين عن العمل.

هناك عشرات المؤشرات إذا ما تم رصدها، يستطيع أي شخص عادي أن يستنتج ارتفاع معدلات البطالة بيسر وسهولة، منها عدد المعامل والشركات الجديدة التي أطلقت أعمالها والتي تكاد تكون شبه معدومة، ويستثنى شركات ذات طابع خدمي استثماري يكفيها أربعة موظفين لينجزوا كل الأعمال، كشركات الصرافة والتحويل والطيران والسياحة التي أصبحت «أكثر من الهم على القلب»، والتي لا تحتاج للكثير من العمالة. ولا يغرّنكم إحصائيات العدد القياسي لطلبات تأسيس الشركات التي صرحت بها جهات رسمية، فهي مجرد شركات لن «تدق مسماراً» حتى يستقر الوضع العام. من هنا نفهم لماذا أعفت غرفة التجارة بشكل مؤقت السادة المتقدمين لطلبات الترخيص من تسجيل عمال في التأمينات الاجتماعية كما نص القانون، لأنهم فعليّاً لن يغامروا بقرشٍ واحد قبل ضمان جدوى العمل. وهناك مؤشر حجم العمال العائدين للبلاد، والذي بدأ يتلاشى مع مرور الوقت، بل إنّ العكس هو ما يحصل منذ أشهر عديدة. فإنّ «ضبّ الشناتي» يتصاعد يوماً بعد يوم، بغياب شروط عمل حقيقية، وتحت ضغط المعيشة وانعدام الأفق يبدو المجهول أفضل من الكارثي المعلوم.

البيع بالكلفة خير من الكساد

من أهم مؤشرات البطالة ضعف القوة الشرائية المستمرة بالهبوط كل يوم بيومه، والذي انعكس على حركة الأسواق بشكل عام، حيث اتفقت جميع تصريحات أصحاب المحال التجارية والمنتجين بالشكوى من ضعف الحركة والبيع، وبالتالي الإنفاق. وهذا ما جعل الفاعليات التجارية وحتى الإنتاجية، وفي جميع القطاعات، تستمر بالعروض التسويقية والتحفيزية، والتي وصلت لحد الكلفة في العديد من المنتجات، خاصة مع إغراق السوق المحلي بالبضائع الأجنبية الرخيصة، والتي كانت كاسدة في مستودعات بلد المنشأ تبحث عن سوق كبيرة نسبيّاً بحجم السوق السورية.

البطالة تهديد وطني

لا يمكن الحديث اليوم عن حلول جزئية للبطالة أياً كانت هذه الحلول، بل إنّ الحلول الشاملة والجذرية هي الوحيدة الكفيلة بوضع الحل على المسار الصحيح. وهذه من مسؤوليات السلطات الحالية التي ما زالت تمطرنا بشعارات وتصاريح ورؤى اقتصادية ومعيشية نظرية بعيدة كل البعد عن الواقع من جهة، وعن العِلمية والعَملية من جهة أخرى، بدل أن تفتح حواراً جديّاً مع جميع القوى السياسية والمجتمعية المعبرة عن طبقات اجتماعية لتستخلص معهم المسار الاقتصادي اللاحق، والذي ينقل البلاد من حالة الفوضى والمكاسب الربحية الضيقة إلى نهج اقتصادي شامل وموحَّد يستنهض القوى المجتمعية بالكامل ويوازن بين مصالح الطبقات ويؤطِّرها تكامليّاً، فنخرج من عمق الجب الذي نقبع به. ولعل المسؤولين الذين يديرون الشأن الاقتصادي غير مدركين لنتائج ظاهرة البطالة والتهميش، التي تعتبر من أحد أهم ركائز الفوضى وغياب الاستقرار الاجتماعي والأمني، وهو تهديد وطني شديد الخطورة. والسوريون بحاجة إلى عمل يكسبون منه ضرورات الحياة، وفعليّاً لا يوجد عمل، ولسان حال هؤلاء: «شو بدنا نشتغل؟» فهل من سامع؟

معلومات إضافية

العدد رقم:
1237