رسائل مشبوهة.. في مظاريف علمانية

رسائل مشبوهة.. في مظاريف علمانية

صدرت في الأيام القليلة الماضية مقالات وتصريحات تحمل رسائل طائفية ولاوطنية عن بعض المنابر والشخصيات العَلمانية السورية تتناول الأشقاء من أبناء الشعب الفلسطيني بأوصاف ونعوت لو قرأناها قبل معرفة اسم الكاتب لقلنا بأنها صادرة عن أحد جنرالات الحرب الصهاينة. وربما لا تستحق تلك المواد تعليقاً أو الإضاءة عليها بالنقد لولا الظرف والتوقيت والسياق والجهة التي صدرت منها. إذ تأتي تزامناً مع بدء تغييرات سياسية وميدانية في الأزمة السورية تتجه نحو حلّ سياسي سلمي مع تمهيد وتحضير لطرف هام في الحوار الوطني الشامل, طرف المعارضة الوطنية السياسية, ومؤتمرها المرتقب على أرض الوطن السوري..

تأتي تلك الرسائل بالتزامن مع بعض الاستقرار النسبي الذي بدأ يعود إلى بعض المناطق المتوترة داخل دمشق منذ ما يعرف بـ «معركة دمشق», ومن ضمنها المخيمات الفلسطينية, كمناطق ذات خصوصية في تركيبتها وعلاقاتها الاجتماعية التاريخية بين ما يمكن أن نعتبره فعلاً مكونين سوري وفلسطيني لشعب واحد. تلك المواد التي نشرت على بعض المواقع الالكترونية وفي وسائل التواصل الاجتماعي, كانت صادمة في حجم تخوينها لأبناء الشعب الفلسطيني ونعتهم بألقاب شنيعة يجب أن يتم تحليلها على أساس مطلق الرسالة, ومضمونها, وشرائحها المستهدفة, إضافة إلى توقيتها.

فمن حيث مصدرها, ليس جديداً أن يلعب الغرب على استخدام بعض أدواته من المثقفين, الذين لهم ضجة إعلامية, وفضائحية أحياناً, وخاصة العَلمانيين ضمن مجتمعنا الذي يبرز في عناصر تراثه التدين والمحافظة إلى حد يكثر أو يقل.. ولكن من وراء تلك المواد والمنشورات لم يختاروا أي علمانيين كيفما اتفق, بل جرى انتقاؤهم من حيث الانتماء الطائفي بما يخدم هدف إثارة المستهدفين الذين يمكن أن تحركهم نوازع طائفية مضادة, ليبقى الأمر في مظهره المخادع أنّ علمانياً متحرراً من التدين والتطيّف يطلق خطاباً عقلانياً...

ومن حيث الخطاب كان بسيطاً ليصل إلى أوسع الشرائح, ومبتذلاً ووقحاً ليحقق المستوى المطلوب من التحريض والاستفزاز, واستخدام اللاجئين الفلسطينيين في سورية بالتحديد كهدف لهذا الخطاب, يأتي استمراراً لمحاولات اللعب على كلّ الفوالق الممكنة في نسيج المجتمع السوري, والتي يعتبر الفلسطينيون السوريون جزءاً تاريخياً منه, إضافة إلى أنه يأتي استثماراً لحالة العنف والعنف المضاد التي أضرت السوريين والفلسطينيين في أرواحهم وممتلكاتهم في تلك الأحياء, وحالة النزوح والتهجير التي عانوا منها من جديد بسبب الأزمة, وهذا يطرح تساؤلاً حول إمكانية أن يكون المقصود من ذلك محاولة تحريض السوريين على الفلسطينيين والعكس بالعكس بإشاعة كذبة أن الفلسطينيين مسؤولون عن التوتر في تلك الأحياء, وما يبتغى من ذلك من تشويش استباقي فيما يتعلق بالقضية الوطنية العامة المتعلقة بتحرير الأراضي المحتلة وحقّ عودة اللاجئين, والذي لا بد أن يكون موضوعاً أساسياً يفترض أنه مبدأ وأساس محسوم لا جدال فيه عند جميع الأطراف السورية التي ستشارك بالحوار الوطني لحلّ الأزمة السورية, وهنا يتعرى مظهر العلمانية الغربية المتبناة من هؤلاء المثقفين ليتبين ليس الجوهر الطائفي فقط, بل والشبهات اللاوطنية التي تكتنفها, ويتقاطع بها هؤلاء العلمانيون مع تيارات الإسلام السياسي المهادن للغرب و»إسرائيل», مثل جماعة «الإخوان المسلمين» وأشباهها.

يجب إعادة النظر في الدور الذي تلعبه بعض المنابر والشخصيات «العَلمانية», وتقييم معناه السياسي ومضمونه حسب المعايير الثابتة نفسها التي تقيم أي قوى سياسية أخرى تحت أية لافتة دينية أو قومية أو يسارية, وهي الأساسيات بالموقف من القضية الوطنية, ومن القضايا الاقتصادية-الاجتماعية والقضية الديمقراطية المرتبطة بهما عضوياً. وبغير ذلك لا يمكن إزالة الغموض والزيف الذي يمكن أن يلف أي خطاب لتلك القوى, مما يعني السماح لها بممارسة التضليل وتشويه الوعي لدى شرائح الشعب المستهدفة.