لماذا جنيف سبيلاً وحيداً للحل؟

لماذا جنيف سبيلاً وحيداً للحل؟

تصاعدت من جديد في الفترة التي سبقت وزامنت وتلت المؤتمر التشاوري للحوار السوري في موسكو، محاولات سياسية وإعلامية وميدانية لبث روح اليأس والتشاؤم حول إمكانيات نجاح العودة إلى المسار السياسي لحل الأزمة، وكان من الطبيعي أن تستهدف تلك المحاولات بخاصة التشويش على الجهود التي يبدو أنها تشق طريقها في استعادة منصة جنيف1 منطلقاً للحل السياسي للأزمة السورية،وهي من أهم النقاط التي اتسعت دوائر التوافقات حولها، نظراً لأهميتها في خلق إمكانية لتجميع القوى الوطنية المختلفة وتعبئتها باتجاه إنجاح الحلّ.

ورقة النقاط العشرة المتوافق عليها بشكل مشترك، بين وفدي الحكومة والمعارضة (9 نيسان 2015). استهلت بـه كنقطة أولى "1- تسوية الأزمة السورية بالوسائل السياسية، على أساس توافقي بناءً على مبادئ جنيف1 تاريخ 30 حزيران 2012" ، كما واختتمت به في نقطتها الآخيرة "10 - مطالبة المجتمع الدولي، بدعم التوافق الذي سيتم التوصل إليه حول الحل السياسي الشامل في لقاءات موسكو تمهيداً لاعتماده في مؤتمر جنيف3"
كما كان مسار جنيف النقطة الأرأس أيضاً في ورقة تفاهمات المعارضة السورية في موسكو (7 نيسان 2015):"التأكيد على حتمية الحل السياسي، على أساس بيان جنيف "ومبادئه" المؤرخ في 30 حزيران 2012 والذي صادق عليه مجلس الأمن الدولي بالقرار 2118 والعمل على المسارات السياسية السورية والإقليمية والدولية التي يمكن أن تمهد لمؤتمر جنيف3 ناجح."
وفي ندائهم إلى الأمين العام للأمم المتحدة توجه ممثلون لأطراف عديدة وواسعة من المعارضة السورية والمجتمع المدني المتشاورون في موسكو الثاني بمطالبة  "كافة أعضاء مجلس الأمن" للعمل على "تسريع عقد مؤتمر جنيف3 من أجل حل الأزمة السورية، وفقاً لبيان جنيف بتاريخ 30/6/2012" مؤكدين على وجوب "تلافي الأخطاء التي حصلت في جنيف2 من حيث تمثيل المعارضة والمجتمع المدني، واستبعاد بعض الأطراف المؤثرة في الملف السوري، الأمر الذي انعكس سلباً على نتائج جنيف2."


ليس الأفضل ولكنه الوحيد

استغرق الأمر سنة وثلاثة أشهر حتى نالت مبادئ بيان جنيف(30 حزيران 2012) إجماع الاعتراف بها في مجلس الأمن الدولي (القرار ٢١١٨-٢٧ أيلول ٢٠١٣)، وما إقرار جنيف في مجلس الأمن إلا مؤشراً على لحظة من لحظات ترجمة المحصلة الاجمالية للصراع العالمي، بين قوى السلام، وقوى العدوان الإمبريالية،وهذا التأخر يعبر فيما يعبر عن أحد مؤشرات معاوقة القوى المعادية للسلام، وعلى رأسها  الولايات المتحدة الأمريكية، وأتباعها الأوروبيين والعرب، وأدواتها في الداخل من قوى الإرهاب التكفيري، وقوى الفساد الكبير الحكومي والمجتمعي، للعملية التاريخية المتحركة والمستمرة لتغير ميزان القوى العالمي، بعيداً عن مصالحها وباتجاه مصلحة الشعوب، وبعد الرد المضاد من قبل القوى الصديقة تاريخياً للشعب السوري وعلى رأسها روسيا والصين، ولنتذكر بأنّ الوصول إلى مبادئ جنيف1 جاء بعد صراع في تاريخ الأزمة السورية ضدّ محاولات شرعنة التدخل الخارجي تخللته الفيتوات الروسية-الصينية في مجلس الأمن، الأول (4/10/2011)، والثاني (4/2/2012)، ولم يأت معسكر العدوان الإمبريالي إلى جنيف1 إلا مرغماً ومناوراً، بدليل تجديد محاولاته تمرير شرعنة اعتداءاته على سورية عبر مجلس الأمن والتي صدها الفيتو الثالث (19/7/2012)، ولم تتوقف حتى بعد اضطراره إلى قبول التأطير القانوني الدولي لمبادئ جنيف1 بقرار مجلس الأمن رقم ٢١١٨، إذ حاول مجدداً عبر مشروع القرار الفرنسي، فصفع بالفيتو المزدوج الرابع (22/5/2014).
وهكذا فإنّ لحظة جنيف1 هي حتى اليوم وبوصفها المحصلة لما ذكرناه، تمثل التوافق الدولي الإقليمي الوحيد المتوفر لوصفة عملية لحل الأزمة السورية. وإذا كان جنيف1 ثمرة تدويل هجينة لبذرتين: بذرة مرّة من لدن أعداء الشعب السوري، وبذرة حلوة من أصدقائه، فليس الملوم هو التدويل، لأنه كان دائماً إمكانية في ظل موازين القوى العالمية المعاصرة، يفرض نفسه كعامل موضوعي خارجي، بل الملوم هو العامل السوري الذاتي الذي وفر لهذه الإمكانية شروط تحققها وتحول التدويل إلى أمر واقع، والأحرى اليوم بتلك الأطراف التي تتحدث عما تسميه «دمشق-1» وما شابه، وتطرحه بديلاً عن مسار جنيف، أن نسألها عن "زرعها" هي، وأي مساعٍ جدية ومسؤولة بذلتها حقاً للحل الداخلي، وعن الفرص التي ربما كان يمكن أن تجنبنا تكاليف التدويل، وما أكثرها، وما أكثر ما تمّ تضييعها أيضاً – على سبيل المثال لا الحصر (ورد بعضها في افتتاحية قاسيون/العدد 590): من رفع حالة الطوارئ قانونياً وبقائها عملياً، إلى عدم تنفيذ توصيات لقاء تموز التشاوري، طريقة انتخابات الإدارة المحلية وبعدها مجلس الشعب التي بقيت على خشبيتها وأحاديتها، ومن ثم الائتلاف الحكومي الذي كان يجب ويمكن أن يكون حكومة وطنية شاملة وليس ائتلافاً يبتعد عن بيانه التوافقي دون حسيب أو رقيب، وقبل ذلك وخلاله تخلف الخطاب الإعلامي الرسمي وأحاديته وضعفه وتبنيه المطلق لمقولات الحسم والكسر وإلى ما هنالك.. ومن جانب المعارضة تعويل بعض أطرافها على التدخل الخارجي، أو استغلال البعض الآخر للأزمة من أجل المطالبة بمكاسب ضيقة وتغليب المحاصصة بالسلطة على إنقاذ الشعب السوري من الكارثة.


بوابة العودة إلى الحل السوري

ليس هدفنا من أن نتذكر ونذكر اليوم بالفرص الضائعة أمس هو تراشق الاتهامات، أو التنصل من المسؤوليات، بل دعوة كلّ ذي عقل يعي، وقلب يحسّ من بين السوريين، أياً كانت مواقعهم التي يصنفون أنفسهم وفقها في النظام أو المعارضة.. إلى أن نذهب في مسار الحل السياسي ونوفر ما ينبغي علينا توفيره من الشروط اللازمة لنجاح جنيف3 لأنه بوابة العودة إلى الحل الوطني الداخلي السوري- السوري في نهاية المطاف، لأنّ علينا أن نضمن عودة جسد الوطن إلى الحياة، قبل أن نفكر في الثوب اللاحق الذي سنخلعه عليه، ففي ثمرة جنيف ما فيها من حلاوة، تتمثل بإيقاف الحرب وإنقاذ ما تبقى من البلاد والشعب، أما ما فيها من مرار وسموم فقد نضطر إلى تجرعها مؤقتاً، ولكن على أن نسارع في نفس الوقت، إلى أن نوحد صفّ الوطنيين للتخلص من تلك  السموم بأقرب وقت ممكن.
لا نبالغ إذا قلنا بأن الإخلاص في العمل لإنجاز وإنجاح مسار الحل السياسي عبر جنيف اليوم بات معياراً يمكن به قياس القوى السياسية من حيث مقدار نضجها وطنياً، من حيث أنه مقدار يتناسب عكساً مع درجة القرب أو البعد عن ترف تضييع الزمن، وإفلات لجام الوقت الذي ما ينفك يدوس على ما تبقى من حياة السوريين ومستقبلهم بأقدام الموت والمرض والجوع والتهجير والاعتقال والخطف وغيرها من صنوف العذاب.. التي لن ينقذنا منها إلى الحل السياسي، وأبوابه فتحت من جديد، فلنعمل على تسريعه وإنجاحه.

جنيف1 في القانون الدولي

اتخذ مجلس الأمن الدولي في جلسته ٧٠٣٨،المعقودة في٢٧أيلول/سبتمبر٢٠١٣القرار الذي يحمل الرقم٢١١٨، وكان في معظمه يتعلق بمسألة "استخدام الأسلحة الكيميائية" في سورية، ومن بين 22 بنداً التي تؤلف القرار يرد بندان (16 و17) يتعلقان ببيان مؤتمر جنيف ينصان على أنّ مجلس الأمن:
16 – يؤيد تأييدا تاما بيان جنيف المؤرخ٣٠حزيران/يونيه٢٠١٢(المرفق الثاني)الذي يحدد عددا من الخطوات الرئيسية بدءا بإنشاء هيئة حكم انتقالية تمارس كامل السلطات التنفيذية، ويمكن أن تضم أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة ومن اﻟﻤﺠموعات الأخرى،وتُشكل على أساس التوافق
17 – يدعو إلى القيام،في أبكر وقت ممكن،بعقد مؤتمر دولي بشأن سورية من أجل تنفيذ بيان جنيف، ويهيب بجميع الأطراف السورية إلى المشاركة بجدية وعلى نحو بناء في مؤتمر جنيف بشأن سوريا، ويشدد على ضرورة أن تمثل هذه الأطراف شعب سورية تمثيلا كاملا وأن تلتزم بتنفيذ بيان جنيف وبتحقيق الاستقرار والمصالحة
وتضم وثيقة القرار٢١١٨ مرفقين: المرفق الأول (قرار بشأن تدمير الأسلحة الكيميائية السورية)، والمرفق الثاني (البيان الختامي الصادر عن مجموعة العمل من أجل سوريا ٣٠حزيران/يونيه٢٠١٢) وهذا الأخير يقع في 12 فقرة رئيسية على 6 صفحات، وهو المعروف باسم "بيان جنيف1".