مغزى الهجوم على سياسة «الإرادة الشعبية»
عدسة قاسيون

مغزى الهجوم على سياسة «الإرادة الشعبية»

تعرض حزب الإرادة الشعبية منذ تشكيل اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، لهجوم من جانب قوى سياسية مختلفة، منها في «النظام» ومنها في «المعارضة»، وتصاعد هذا الهجوم بعد اندلاع الأزمة السورية، والذي دار موضوع الصراع الأساسي بعدها حول رؤية حل الأزمة السورية.. وإذا بحثنا عن مغزى هذا الهجوم وجوهره، نجد أنه شكل سياسي من الصراع الطبقي، لأن نظرة ماسحة لطبيعة القوى المهاجمة، ليس بمسمياتها الشكلية وبناها، بل بوظائفها الفعلية، تبين أنّ معظمها موجود في موقع العدو الطبقي أي المدافعين عن موقع البرجوازية ولا سيما الكبرى ومصالحها التي باتت في هذه المرحلة التاريخية لا تنفصم عن الفساد الكبير الداخلي وارتباطاته الخارجية بالغرب الإمبريالي بجناحيه الأمريكي والأوروبي، وأدواتها الإقليمية والعربية. ولكن يفسر ذلك أيضاً في حالات أخرى بغياب أو تدني الوعي السياسي لدى المهاجمين، كما هي الحال مع بعض البنى السياسية البعيدة عن التواصل مع الشارع، أو بعض شرائح الحركة الشعبية الجديدة نفسها بحكم تجربتها السياسية القصيرة زمنياً...

الصراع حول نظرية الحركة الشعبية

يدخل في هذا السياق عدم استيعاب الضرورة الموضوعية التاريخية لنظرية الحراك الشعبي.. تلك الرؤية التي تفرّدت بها منذ البداية «اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين» محلياً وإقليمياً على الأقل.. وهذه الرؤية العلمية مصاغة في أدبيات ووثائق اللجنة، وأثبتت التجربة صحتها. وبالمختصر تقول هذه النظرية بأنّ عودة الجماهير الشعبية إلى النشاط السياسي أمر متوقّع وضروري بمعنى أنّه محكوم بقوانين اجتماعية-اقتصادية مستنتجة من التجربة التاريخية السابقة للبشرية، ولا سيما شكلها الخاص في القرن العشرين، الذي اتخذ طور صعود ثم هبوط في درجة نشاط الحراك الشعبي والثوري العالمي.. وجاءت الأزمة الاقتصادية العالمية لتضرب بشدة مصالح الطبقات العاملة والفقيرة عالمياً، ولما كان التحليل الماركسي هو الوحيد القادر على تشخيص أسباب وعمق وحجم وتداعيات هذه الأزمة الاقتصادية على النواحي الاجتماعية والسياسية لجماهير الشغيلة عبر العالم.. فكان من الطبيعي لقوة شيوعية مثل اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين أن تستبق الأحداث وتتوقع تلك الانعكاسات حتى قبل وقوع الأزمة الاقتصادية نفسها، فعملت على نشر الوعي بمخاطر الاستمرار بالسياسات الاقتصادية-الاجتماعية الليبرالية الهدامة والخطيرة التي طبقتها الحكومات السورية بتسارع منذ مطلع القرن الجديد... ووقفت عملياً في موقع المعارضة الحقيقية الوطنية - وكانت الوحيدة في فترة ما - لهذه السياسيات الحكومية.. لذلك تعرضت للتضييق والهجوم الشديد من جانب قوى الفساد داخل النظام، التي استمرت وصعّدت الهجوم عليها في ظل الأزمة، لأنها طرحت حلاً وطنياً يهدد عملياً تلك القوى، لأنه يطالب بإعادة توزيع الثروة بشكل عادل والقصاص العادل والقضائي من قوى الفساد وكل أشكال أذرعها القمعية على الأرض. وكان من الطبيعي بالتالي أن تتعرض لهجوم مماثل آخر من قوى في موقع مخالف ظاهرياً - أي في «المعارضة» - يحمل نفس برنامج قوى الفساد داخل النظام ولا يختلف معها إلا حول تحاصص ثروة الشعب السوري معها، أي عملياً ولو دون إعلان كانوا يعملون تحت شعار «لنعيد توزيع الثروة بيننا نحن الناهبين على حساب المنهوبين». ولذلك ثارت ثائرتهم عندما صرحّ حزب الإرادة الشعبية بشعاره الواضح أمام جماهير الشعب السوري، الذي يحمل هدفاً استراتيجياً مناقضاً طبقياً «إعادة توزيع الثروة لمصلحة المنهوبين وعلى حساب الناهبين»، وأظهر جدية في العمل على تحقيقه على أرض الواقع.

كان لا بد من التذكير بهذا العمق الاقتصادي الطبقي الذي تشتق منه جميع التعبيرات والأشكال السياسية لمواقف حزب الإرادة الشعبية، وتفسر التحالفات مع قوى سياسية تتقارب مع هذا البرنامج على الأقل في بعده الوطني العام، والتناقض الشديد والعداء مع القوى الأخرى المشبوهة داخل المعارضة وداخل النظام التي تعبر عملياً عن موقع الفساد البرجوازي الكبير.

الصراع حول نظرية الحل الآمن للأزمة

انطلاقاً من الفهم العلمي ذاته لموضوعية وضرورة الحركة الشعبية في سورية، وبتقييم الإمكانيات الإيجابية التقدمية لها وتوقع وانتقاد الأخطاء والجوانب الرجعية العفوية داخلها، والمفتعلة بتحريض أعداء الحراك الشعبي السلمي في الطرفين المسلّحَين (أجهزة القمع والمعارضة المسلحة)، أشار حزب الإرادة الشعبية إلى ضرورة الحل السلمي السياسي الشامل وطنياً للأزمة السورية عبر الحوار بين أطراف من النظام والمعارضة الوطنية والحركة الشعبية السلمية على أسس وطنية هي مبادئ وطنية محسومة، وليست شروطاً تفاوضية، والمعروفة من رفض جميع أشكال التدخل الخارجي بسيادة الشعب السوري ومؤسساته الوطنية، ونبذ الطائفية والصراع المسلح بين الأشقاء في الوطن السوري. ويسجل التاريخ بأنّ بواكير الدعوة للحوار انطلقت من لدن هذه القوة السياسية، وهذا سبب إضافي يفسر هجوم أعداء الحوار، أي عملياً أعداء الحل السلمي، على حزب الإرادة الشعبية، واتهام الأطراف المختلفة له بحجج تتلاءم مع عباءة كل منها. فأعداء الحوار داخل النظام اتهموه «بالتهادن مع العصابات المسلحة» .. وداخل المعارضة «بالتهادن مع النظام المجرم» في محاولة للضغط على الحزب من أجل حرفه عن خياره بعدم الشرب من نهر جنون التطرف والاقتتال الأهلي، لإدراكه لمخاطر الحرب الأهلية على وحدة الشعب السوري ووطنه جغرافياً وسياسياً، وانطلاقاً من وعيه المعرفي بأنّ الأزمة ذات الجذور الاقتصادية-الاجتماعية العميقة لا يمكن أن يحلّها أي «حسم» عسكري محض من أي طرف كان، وأنّ الحل الحقيقي والجذري موجود في ميدان آخر للصراع، صراع حضاري وسلمي، يسمح بتوجيه الطاقات العظيمة للشعب السوري نحو بناء مستقبل أفضل، وعدم هدم إلا ما يعيق هذه العملية، أي وضع برنامج لاجتثاث الفساد من مؤسسات الدولة، وليس هدم تلك المؤسسات، والقضاء على الفقر والبطالة، وليس القضاء على الفقراء والعاطلين عن العمل.

في نهاية المطاف ينظر إلى تلك الهجمات على أنها مفيدة وإيجابية لحل الأزمة لمصلحة الشعب السوري، لأنّها ليست هجوماً على حزب واحد، إنها شكل لفرز القوى السياسية والشعبية المختلفة على أسس سياسية وطنية واضحة، وهذا ما يفسر أن تطال تلك الهجمات تحالفات وائتلافات سياسية أوسع بكثير من الحزب نفسه، لسبب واحد هو أنها تتفق معه على الأقل على ضرورة الحلّ الآمن للأزمة.