د.محمد المعوش
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
في المادة السابقة أشرنا إلى أنّ موجة عامة من «التساؤل» حول سؤال «ماذا بعد؟» بدأت تكبر على وقع الحرب التي بدأت تتكشف أنها «مفتوحة»، لا في منطقتنا فقط، بل في مختلف أماكن الصراع التي فُتِحت فيها جبهات عسكرية في السنين الماضية. هذه المادة تستكمل بعض المعاني السياسية التاريخية لهذه الموجة التي تتمحور حول التناقض في مجتمع الانقسام الطبقي ككل، وفي جوهره تجاوزُ الاغتراب.
أحد جوانب العالَم الذي يموت هو موت نظرته إلى العالم، أيْ تعريفه للحاضر، وللمستقبل، وللممكن. وهذا الموت لا يحصل فقط على المستوى النظري، في الأفكار المجردة والمكتوبة، بل له آلامه المادية الملموسة في عقل البشرية، وفي فقدانها لتوازنها نتيجة انهيار المجتمع القديم، وعدم اتضاح الجديد. وفي ذلك الوقت، حسب غرامشي «تولَد الوحوش» ليس الوحوش السياسية والعسكرية فقط بل الروحية والنفسية والعقلية أيضاً!
المرحلة الراهنة بما تمثّل من انتقالٌ نوعيٌّ من واقع «حضارة» (تتحوّل إلى حالة بربرية تعبّر عن توصيف إنجلس بكونها مرحلة ما قبل التاريخ) إلى واقع آخر (حضارة صناعة التاريخ)، فيها ملامح نوعية، من الضروري استمرار تحديدها والتعمّق في مضمونها، ما يسمح مثلاً بتعرية المقولة المؤامراتية بـ«تقارب واتفاق» القوى المتصارعة عالمياً.
من المفيد في نقاش مسألة البربرية واتجاه اللاعقلانية وانهيار العقل، كتعبير عن اتجاه في أقصى التطرف في الحفاظ على المجتمع الطبقي المنقسم عبر التاريخ، إضافةً إلى النقاش الفلسفي العام، أن نأخذ بمقولات علم وظائف الدماغ، وللدقة، فرع علم النفس العصبي في علم النفس، وأحد أعلامه الرئيسية ومؤسِّسيه، السوفييتي ألكسندر لوريا.
المعركة الأيديولوجية التي يديرها العالم القديم معقدة وفي تصاعد واشتداد مستمر، وهذه إحدى تنبؤات إنجلس بشكل خاص. ولهذا التصاعد ملامحه التي لا تنحصر فقط في تصاعد التيار العدمي اللاعقلاني الذي مررنا على ذكره في مواد سابقة، ولكن أيضاً في استعارة العقل الذي يحاول الحفاظ على هيمنته للمذاهب «الثورية» وتطويعها في مسار: من الإصلاحية الى الفوضوية إلى «الشيوعية المبكرة».
في سياق تناقض بربرية-حضارة وتعطّل إمكانية المجتمع الطبقي المنقسم وقواه على المناورة للحفاظ على الانقسام التاريخي، ونقاش الحدود الفلسفية للمثالية لهذا التعطل والذهاب إلى مثالية متطرفة في إلغاء العقل والواقع، هنا نتناول قضية الممارسة المرتبطة بالثنائية الفلسفية، ومعناها السياسي للمشروع النقيض.
في مادة سابقة وأخرى سبقتها أشرنا إلى مسألة التفجير المبكّر للتناقضات التي تتجاوز البعد المرحلي السياسي المباشر نحو تجاوز المجتمع الطبقي ككل وطبيعة المجتمع. وهنا نناقش خطر ملامح العقل الأيديولوجي «الماركسي» الجامد والميكانيكي وكيف يفعل فيه تيار «الشيوعية المبكّرة».
كما صار واضحاً فإنّ انعدام المخارج والصيغ أمام النظام المنقسم طبقياً للحفاظ على هذا الانقسام، في الوقت الذي وصلت فيه التناقضات على مختلف المستويات إلى حافة تهديد النوع والحضارة ككل، إنّما يدفع إلى مسار تدميري متطرف. وهنا نظرة في منهجية التدمير للإجابة المبكرة على التناقضات، وإجهاضها.
نتيجة ضغط الوقائع وقوة الضرورة التاريخية لم يعد للوعي من مختلف خلفياته النظرية أن ينكر طبيعة التحول الحاصل عالمياً. ولهذه الخلاصة أهمية في جانبها الإيجابي، إلّا أنّ جانبها السلبي حاضرٌ أيضاً وهو ما لا يجب للجانب الإيجابي أن يغطّيه فنطرب إليه حصراً. وهنا بعض الأفكار تحديداً من لينين ومرحلة الصعود الثوري في القرن الماضي.
على وقع سيادة التخبط الفكري والتردّد وعدم اليقين في مراحل الانتقال، كون الفكر القديم، وإحداثياته، لم يعد يصلح لفهم الجديد، وبالضد من الذاتية الإرادوية في فهم التاريخ، وكذلك بالضد من العدمية التي تلغي كلّ قانون، يسير العالم على وقع ضرورة شديدة في تعقيدها. وهنا بعض الأفكار حول مَن «يقود» العملية التاريخية، ما يكسر بعض نظريات المؤامرة التي تزداد كلما اشتدت ضرورة الحل.