الأزمة السورية وقضية الأمن الاجتماعي

الأزمة السورية وقضية الأمن الاجتماعي

فرضت الأزمة ايقاعها على مختلف مظاهر الحياة اليومية للمواطن السوري، بما فيها موضوع أمنه الشخصي، فباتت حالة القلق والترقب والخوف من المجهول هاجساً عاماً، مما يضع على جدول أعمال الأزمة بُعداً جديداً يتعلق بالأمن الاجتماعي.

وكما نعتقد كان ذلك متوقعاً بعد تفاقم الأزمة التي تعيشها البلاد، وذلك بسبب طبيعة العلاقة بين الدولة والمواطن على مدى العقود الماضية، والتي يمكن اختزالها  توصيفاً بالشكل الاقصائي الذي غيّب المواطن عن دائرة الفعل والتأثير في واقع يكشف عن خلل صارخ في معادلة الحقوق والواجبات، فالمواطن دائماً عليه واجب الطاعة والقبول بالأمر الواقع، والركوع أمام جبروت جهاز الدولة العتيد الذي يفكر عنه، ويقرر متى عليه أن يصفق، ومتى يصمت، ومن يعادي، ومن يصادق ؟؟؟ و رافق ذلك  العمل على أسلوب آخر يحاول ايجاد نوع من التوازن الاجتماعي يناسب النموذج السالف الذكر قائم على استمالة رموز من البنى التقليدية عشائرية دينية مذهبية، وتسويقها كمرجعيات تمثل جماعاتها، هذا الشكل من العلاقة بين الدولة والمواطن أدى الى تكوّن حالة اغتراب تجاه جهاز الدولة والتي تحوّلت بفعل التراكم الى التشكيك المسبق وعدم الثقة بكل ما هو صادر عن هذا الجهاز رغم أنه أنتج حالة من السكون وتم على أثر هذا السكون التغني كثيراً بالاستقرار والأمان الذي يعيشه المواطن السوري ولكنه تبين أنه سكون مخادع ومؤقت كشف عن هشاشته أمام أول امتحان حقيقي، فمع تراجع هيبة ذلك الجهاز في ظل الأزمة الحالية انتشرت حالات السرقة والتهديد والخطف والقتل، وأصبح الحفاظ على السلامة الشخصية هاجساً يومياً للمواطن في بعض المناطق، وخصوصاً في تلك التي يتمظهر فيها الصراع طائفياً أو دينياً أحياناً مما ينذر بمخاطر جدية على السلم الأهلي والأمن الاجتماعي برمته، وبالتالي وحدة نسيج المجتمع السوري.

إن أي جهاز دولة عندما لايمنح مواطنيه قدراً مناسباً من الحرية، فإنما يزرع بذلك بذرة التمرد في الحقل الاجتماعي، وعندما يستخدم العسف كأداة وحيدة لضبط حركة المجتمع فإنه يصطدم بالطبيعة الإنسانية التوّاقة الى الحرية بطبيعتها، ويصطدم مع مع نسق القيم الأخلاقية باعتبارها رابطا اجتماعياً بين بنى المجتمع.

وعندما تغيب القوى السياسية والمجتمعية القادرة على ضبط أشكال التمرد  وتوجيهها في الاتجاه الصحيح، فإن التمرد يأخذ شكلاً آخر، مشوهاً هذه المرة ليصبح أقرب إلى عالم الجريمة منه إلى الاخلاقية الثورية، ويصبح أقرب إلى حالة البطولة الفردية وبعيداً عن الروح الجماعية، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن الواقع الاقتصادي الاجتماعي انتج خلال العقد الماضي عشرات الآلاف من المهمشين، وقذفتهم السياسة الليبرالية الاقتصادية إلى جحيم البطالة والفقر، والذين تشربوا بثقافة مجتمع الاستهلاك سندرك كل الدوافع الحقيقية لمظاهر الفلتان الاأمني بالمعنى الاجتماعي، وتفشي الجريمة هنا وهناك، ولا ينفعنّ أحد من الموالاة هنا أن تحميل الحركة الشعبية السلمية مسؤولية تفشي هذه الظاهرة، وإن كان البعض يحاول أن يتمسح بها.  مع التأكيد أن المعالجة الحقيقية لهذه الظاهرة المقلقة لايمكن أن تكون إلا بالخروج الآمن من الأزمة، كخطوة أولى على طريق التغيير الوطني الديمقراطي الشامل.