زمن الأسئلة الصعبة: (البترودولار والإرهاب)؟
من مزايا المرحلة التاريخية الراهنة أنها مرحلة الأسئلة الجديدة التي تطرح على جدول الأعمال بتواتر شبه يومي، بعد أن خرجت الأحداث من دائرة «السكون المغلقة» التي عهدناها في ظل ما أطلق عليه مرحلة «الركود السياسي».
أما الوعي السائد- الشكلاني السطحي التضليلي- بالأشياء والظواهر فيتهاوى أمام الإيقاع المتسارع لحركة الواقع، وينزاح جانباً لمصلحة القراءة التحليلية التي تعالج جوهر القضايا، طالما أن ذاك الوعي استنفد نفسه بالـ«بروباغندا»، وأصبح «سقط متاع» المرحلة، رغم كل حوامله المالية والايديولوجية والتكنولوجية، خصوصاً بعد صعود قوى دولية جديدة، تقدم مقاربات مختلفة عما هو سائد، ومهيمن.
على ذمة بعض «المعارضين
الإيقاع المتسارع للأحداث، والتوازن الدولي الجديد، يرغمان كل القوى على تغيير خطابها، وتغيير الخطاب يستوجب تغيير الأدوات، وعندما كانت الخيارات تضيق في ساحة الميزان الدولي الجديد أمام الطرف المتراجع فإنه كان يضطر باستمرار إلى توظيف مؤقت للأدوات التقليدية.. عندئذ يمكن أن تعلن السعودية الحرب على الإرهاب مثلاً، لا بل يمكن أن تقود تحالفاً «اسلامياً» من أجل ذلك، ولِمَ لا؟ طالما أن الطرف السعودي أصر على تضمين بيان مؤتمر المعارضة السورية مصطلح الدولة المدنية، والمشاركة الواسعة للمرأة... نعم السعودية تصر على دولة مدنية في سورية، ومشاركة واسعة للمرأة! ومن لايصدق فإن بعض المعارضين المشاركين في الرياض باتوا مستعدين لأن يجاهدوا بما يمتلكون من فصاحة لإثبات هذه الحقيقة. ولأن الشي بالشيء يذكر يمكننا أن نسأل، هل ستحاول الشخصيات «التقدمية والعلمانية» في داخل من تم الترويج له كـ«الممثل الشرعي والوحيد للمعارضة والشعب السوري»، إقناعنا بأن محمد بن عبد الوهاب تتلمذ على يد جان جاك روسو؟
ما قبل الإرهاب
أب الإعلام السائد على تقديم الإرهاب منذ ظهوره، على أنه مجرد ممارسات وحشية إجرامية. واذا كان هذا يعكس جانباً من الحقيقة فإنه يأتي في سياق تجاهل حقيقة أهم وأعم، وهي أن ممارسات داعش وأشباهه تعكس بالعمق ثقافة بنية اقتصادية اجتماعية سياسية متكاملة، مشتقة من الرأسمالية وتشكل امتداداً لها، هي الفاشية الجديدة، التي تحمل خصائص الفاشية التقليدية، ولكنها محمولةً على منجزات عصر الثورة العلمية التكنولوجية، وخصوصاً في جانبها الإعلامي الدعائي، كأداة تحكم بالوعي وصناعته، وترويج الزائف منه وتسويقه.
إذا كانت الفاشية الجديدة سياسياً وثقافياً هي ايديولوجيا أكثر الفئات رجعية لدى رأس المال المالي والإجرامي العالمي، وتحديداً ذلك الرأسمال الذي نما وتمركز وتركز من خلال عالم الجريمة، وتجارة المخدرات والرقيق الأبيض، والسلاح غير الشرعي، والنفط المسروق، رأسمال عالم المضاربة والبورصة، رأسمال ما فوق الربح الذي يبدو مجهول المصدر، فإنها أيضاً، أي الفاشية الجديدة، من جانب آخر ربيبة الريع النفطي، ريع البترودولار الخليجي عموماً، والسعودي على وجه الخصوص، وإن كان لوظيفة أخرى في بداياتها.
وإذا كان الشك ما زال يراود البعض بأن الإخوان المسلمين هو التنظيم الأم التي أنجبت كل الجماعات المتطرفة، فإن ما هو خارج دائرة الشك، وما هو مقر به، وما لا يقبل النقاش، أن ما يسمى بالفكر «الجهادي» نما وترعرع على موائد الريع النفطي منذ إعلان الحرب المقدسة في أفغانستان، وإن الثروات التي وظفت لتأصيل هذا الفكر الخارج عن التاريخ، تكفي لتسويق الفكر الديني الذي يتوافق حتى مع إبليس. وعليه فإن المركز الفاشي الإقليمي المتجسد بالنخبة السعودية التي تحتل النسق الثاني التابع في ترتيب قوى رأس المال المالي العالمي، لا تملك الأهلية السياسية والأخلاقية لأي دور ضد الإرهاب، ولا يمكن لعاقل أن يصدق هذه الصحوة الحداثية الطارئة لممالك النفط، إلا بعض دهاقنة معارضة الرياض من السوريين، وكتاب البترودولار.
اليتيم يبحث عن أب!
وسائل الإعلام الأمريكية لم تكف في السنوات الأخيرة في إطار ابتزازها الدائم، ومحاولة فرض المزيد من التبعية، عن الإشارة الدائمة إلى دور السعودية في نشر الإرهاب وإشاعته، الأمر الذي فرض على النخبة الحاكمة، اللهاث لتقديم شهادات حسن سلوك للإدارة الأمريكية.
ترى صحيفة «واشنطن بوست» في المبادرة السعودية لتشكيل التحالف الإسلامي ضد الإرهاب، أن «السعودية من خلال الإعلان عن حشد تحالف لمكافحة الإرهاب إنما تسعى إلى تحقيق مصالحها، كما تحاول فاشلة إرضاء الولايات المتحدة».
وتضيف الصحيفة أن «تشكيل هذا الحلف جاء على الأرجح لامتصاص الانتقادات الغربية التي كثيراً ما تتهم العالم الإسلامي بالتقصير في مكافحة الإرهاب ومواجهة التطرف».
ولم تتوان «واشنطن بوست» عن التهكم، وهي تشير إلى الدهشة التي أعرب عنها عدد من الدول بينها، باكستان ولبنان وماليزيا، التي لم تعلم «بانضمامها» إلى تحالف الرياض الإسلامي إلا عبر وسائل الإعلام.
تشير العديد من التحليلات إلى أن السعودية، تخشى في إطار تراجع الدور الامريكي في المنطقة والعالم، من أن تبقى يتيمة في عالم مضطرب، لذا فهي تحاول جاهدة إثبات حسن النوايا بشكل دائم، تجاه الإدارة الأمريكية، وتحديداً تجاه التيار الفاشي، بدلالة تمايز المواقف السعودية حتى عن الموقف الرسمي الأمريكي أحياناً، والذي يكون عادة محصلة توازن القوى بين التيار الفاشي والتيار «العقلاني» في الولايات المتحدة، وذلك لأن السعودية محكومة بالتبعية، التي تعد أحد أهم مقومات استمرار حكم العائلة المالكة، وكونها أصبحت ثقافة لأغلب قوى النفوذ في دائرة الحكم السعودي.
التحالف الجديد.. وظيفة جديدة واخيرة
يحاول المركز الفاشي العالمي استنزاف كل الحلفاء التقليدين للولايات المتحدة في صراعها، وتوظيف ما تبقى لديها من إمكانات في الصراع مع القوى الدولية المنافسة، وضمن هذا السياق يمكن فهم الدور السعودي«المستقل» ومنه التحالف الأخير ضد الإرهاب، اذ تشير العديد من الآراء إلى أنه نواة لقوة إقليمية ذات نمط فاشي، بايديولوجيا دينية، من أهم وظائفه مشاغلة الروس، وتأليب الرأي العام ضد موسكو، في محاولة يائسة لتوسيع جبهة الحرب أمام روسيا وإنهاكها بشكل مباشر، أو من خلال تاجيج الفوالق الطائفية مع ايران لاشعال حريق إقليمي، غايته النهائية أيضاً روسيا والصين، أملاً في إنقاذ منظومة رأس المال المنهكة، من ألفها إلى يائها، على وقع الأزمة، وذلك بالضد من منطق تطور وتثبيت ميزان القوى الدولي الجديد. وعليه، أغلب الظن، فإن هذه الوظيفة الجديدة هي آخر وظائف مملكة الريع النفطي.