في تداعيات رفع الدَّعم.. اتركوه.. مازال يتنفس
تقول القصة إن طفلاً اصطاد عصفوراً بعد جهد كبير.. ومن شدة فرحه كان يضغط بكلتا يديه على جسده الواهن، فقيل له: أنت هكذا تخنق العصفور، فرد الطفل المشاكس: ولكنه.. لكنه مازال يتنفس.
تقول القصة إن طفلاً اصطاد عصفوراً بعد جهد كبير.. ومن شدة فرحه كان يضغط بكلتا يديه على جسده الواهن، فقيل له: أنت هكذا تخنق العصفور، فرد الطفل المشاكس: ولكنه.. لكنه مازال يتنفس.
أكد الخبير الاقتصادي والمحاضر في معهد التخطيط د. «قدري جميل» في تصريح لـسيريانيوز: «إن الغارة الحكومية الأولى على الدعم فشلت بسبب تصويت الشعب ضد رفع الدعم عن المازوت على الأقل، متمثلاً ذلك بموقف اتحاد العمال واتحاد الفلاحين والأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية». وأضاف د. «جميل»: «إذا كان الفريق الاقتصادي سيعيد الكرة الآن بمحاولة رفع الدعم فهو بذلك يتجاوز صلاحياته ويسيء استخدام سلطته ويتجاهل الرأي العام الشعبي ورأي الاختصاصيين وأهل الخبرة».
عقد مجلس محافظة ريف دمشق دورته العادية في 2/3/2008 برئاسة محافظ ريف دمشق السيد نبيل عمران، واستمرت أعمال الدورة ثلاثة أيام، جرى خلالها بحث العديد من القضايا التي تهم أبناء المحافظة. وقد ألقى الرفيق عدنان درويش عدة مداخلات، جاء فيها:
اشتكى أهالي مدينة «موحسن» كثيراً من أصحاب الأفران، فمعاناتهم متكررة رغم بعض الجولات «التموينية»، التي تنتهي باختيار رغيف مصنع بمواصفات عالية، بينما واقع الحال يقول إن نوعية الخبز سيئة، حيث وجد في أحد الأرغفة جلد فأر، وفي آخر «جزء من سحلية»، كما أن أصحاب الأفران يقومون ببيع الطحين، وحددوا سعر الكيس 800 ليرة سورية، مما يضطر الأهالي لشراء الخبز من المدينة، أو من البقاليات التي تبيع ربطة الخبز بعشرين ليرة، والمواطن الذي يحتاج إلى ربطتين يومياً، يدفع زيادة 300 ليرة سورية شهرياً. كما يقوم أصحاب الأفران بجمع الطحين المتساقط على الأرض وعجنه وخبزه مع بقايا الخبز اليابس والأوساخ..
بعيداً عن ما تتناوله الصحف من اعتلاجات وندب ولطم وتناول فجٍّ للمأساة، تعالوا نتناول الموضوع من وجهة نظر مغايرة..
لم نفاجأ برفع الدعم عن المازوت، وهو المادة الإستراتيجية التي يرتكز عليها اقتصاد الوطن في كل مواقع الإنتاج الزراعي والصناعي، بالإضافة للخدمات، سواء في القطاع العام (قطاع الدولة) أو في القطاع الخاص.
لم تعد نظرة السوريين لفصل الخريف ترتبط باعتبارات موروثة، فيها السلبي المحكوم بدورة الحياة المتعبة والموت المؤقت التي كرستها الأساطير القديمة، المتجلية بتساقط أوراق الشجر، ويباس الأعشاب، وشح الينابيع، وهبوب الرياح العاتية؛ وفيها الإيجابي المرتبط بنضج بعض أنواع الثمار الصفراء كالتين والعنب والسفرجل، واعتدال المناخ، وبواكير المطر..
أسمع كلامك... لا أصدقك، أشوف أفعالك... لا أتعجب!
اعتادت الحكومات السورية، وخصوصاً تلك التي يعيها المواطنون (الأحياء)، على التعاطي مع جميع المشكلات والعقبات والأزمات التليدة والمستجدة التي اعترضت وتعترض مسيرة تطور البلاد من النواحي كافة، على أنها من النوع الذي لا حل له ولا علاج. وقد عوّدت هذه الحكومات المواطنين على ذلك، وأثبتت، وماتزال تثبت لهم كل يوم تجذُّر هذه الذهنية في منطلقاتها وسلوكها وقراراتها وتوجهاتها، ونتائج وتداعيات برامجها المتخبطة، ولا فرق هنا إن كانت السياسة العامة المتبناة «اقتصاداً موجَّهاً» أو «اقتصاد سوق اجتماعي» أو «اقتصاداً حراً»، فالنتيجة واحدة دائماً: ما من حلول ناجعة!! لا حلّ للفساد المتفاقم.. لا حل للرشوة الفاقعة..
مهما تعددت أنواعه، اقتصادي، سياسي، اجتماعي، أو إداري، ومهما اختلفت أشكاله، نهب، هدر، سرقة، رشوة، أو جريمة، ومهما كان حجمه، كبيراً أو صغيراً، فيبقى الفساد ملة واحدة، ويبقى اسمه فساداً، لكننا نميز هنا بين المستويات، فالفساد الكبير هو الأخطر، وهو الذي يفتح الطريق للصغير، والذي يعاني من هذا الفساد ويدفع ضريبته هو المواطن، الذي يتحمل نتائج سوء السياسة والتخطيط.