الفساد.. «ثلّة» واحدة

مهما تعددت أنواعه، اقتصادي، سياسي، اجتماعي، أو إداري، ومهما اختلفت أشكاله، نهب، هدر، سرقة، رشوة، أو جريمة، ومهما كان حجمه، كبيراً أو صغيراً، فيبقى الفساد ملة واحدة، ويبقى اسمه فساداً، لكننا نميز هنا بين المستويات، فالفساد الكبير هو الأخطر، وهو الذي يفتح الطريق للصغير، والذي يعاني من هذا الفساد ويدفع ضريبته هو المواطن، الذي يتحمل نتائج سوء السياسة والتخطيط.

هل عادت أيام الميرة؟!

التصرف الذي قام به مندوبو الحكومة، وتعاملهم مع موسم القمح في العام الماضي، برفضهم كميات كبيرة من القمح بحجج واهية، وبتحريض وتشجيع من التجار، جعل تعب الفلاح وكده طوال موسم كامل يذهب أدراج الرياح، ويدخل في جيوب «التجار» الذين اشتروا القمح بسعر بخس، وعادوا وسوقوه للحكومة بأسعار عالية، مع فقدان الاحتياطي الاستراتيجي والتفريط بالأمن الغذائي الوطني.

وجاءت الظروف الطبيعية من جفاف وصقيع لتضع موسم هذا العام في مهب الريح، وزادت الحكومة الطين بلة بتسعير القمح بـ 16 ليرة، بينما يشتريه التجار بـ25 ليرة سورية. ونتيجة الخطط الزراعية الوهمية والفساد الإداري، تعاونت على الفلاح وزارة الزراعة ومديرياتها وإدارات الجمعيات الفاسدة، وبات الفلاح مهدداً في موسمه وفي بيته بالمداهمات التي يقوم بها رجال الشرطة بناء على توصيات رسمية.

فلاحو موحسن، كجزء من فلاحي المحافظة وفلاحي الوطن، كانوا ضحايا الفساد، فبناء على الجداول المقدمة من الشعبة الزراعية في موحسن، تجري مداهمات لبيوت الفلاحين الذين لم يوردوا القمح، مع الإنذارات التي لا تعتمد المساحات الحقيقية المزروعة، ولا ظروف الإنتاج التي تعرض لها الموسم، فنسبة كبيرة من الفلاحين باعوا حقولهم التي ضربها الصقيع مرعى للحيوانات، التي بدورها عانت ما عانت من نقص العلف والغذاء، وحتى الماء، حيث ارتفع سعر صهريج الماء للبادية من 200 ليرة سورية إلى ألف ليرة سورية، نتيجة ارتفاع سعر المازوت، وقد اضطر بعض هؤلاء الفلاحين إلى شراء بذار القمح بسعر عال، أو التخلي عن مؤونتهم، أو اقتراضها من الأقارب وأهل القرية على أمل تسديدها من الموسم، بعد التوقيع على تعهد بتسديدها وإلا مصيرهم الملاحقة القضائية، مهما كانت ظروف الإنتاج، ومهما كان إنتاجهم ضعيفاً، نتيجة الظروف الجوية، وأغلبهم لم يستلم كامل كمية السماد المخصصة له من الجمعية والشعبة الزراعية، والوحدات الزراعية لم تقم بدورها لا في الإرشاد والتوعية، ولا في تأمين مستلزمات الإنتاج، رغم معرفتها بكل ظروف الفلاح، وكشفها على الزروع المأكولة كمرعى، ووقع الفلاح تحت ضغط توجيهات المحافظ بجمع كمية 100 ألف طن من القمح، والتي جاءت في خطة مديرية الزراعة، وحتى توزيع الإنذارات على الفلاحين كان فيها ظلم تارة ومحسوبية تارة أخرى،  فكيف يُتهم الفلاح الذي يحتفظ بمحصوله كمؤونة بالتهريب، وكيف تتم مداهمته في بيته دون مستند قانوني، والفاسدون يسرحون ويمرحون؟! ولا أحد يحاسبهم؟!

يجب وقف المداهمات عن الفلاحين وتحويلها للفاسدين، علماً أن أغلب الفلاحين لن يزرعوا في ظل ارتفاع سعر المازوت، وسياسة وزارة الزراعة تجاه المحاصيل الاستراتيجية. 

سرقة في وضح النهار

في نهاية محصول القطن لعام 2007 قامت شركة «تنسيم» بالتبرع للوحدة الإرشادية في موحسن بكمية 1100 لتر من السماد العضوي، على شكل عبوات كل واحدة تسعة لترات، على أن توزع مجاناً على الفلاحين، بشرط عدم استخدام المكافحة الكيماوية، وتم توزيع 400 لتر، لكل دونم 3 لترات، ووُثِقت أسماء المستلمين شخصياً مع رقم البطاقة، وقد حققت هذه التجربة نتائج مميزة على الإنتاج، واستلم محلج ديرالزور هذه الأقطان على حدة، وكان مخصصاً للفلاحين مكافآت تشجيعية تقدر بـ 800 ل.س للطن الواحد، ولتاريخه لم يستلمها الفلاحون!! والشيء الذي يدعو للتساؤل هو اختفاء الكمية المتبقية وهي 700 لتر من السماد العضوي من المستودع، والتي من المفترض أن توزع في موسم 2008، والمسؤول عنها تحديداً رئيس الشعبة الزراعية في موحسن والذي نوجه له تساؤلنا. وهنا نؤكد أن مصلحة الفلاح كمواطن ومنتج، فوق مصلحة الفاسدين، الذين تجب محاسبتهم بطريقة أو بأخرى.

آخر تعديل على الثلاثاء, 23 آب/أغسطس 2016 13:13