التجار والمتنفذون يسرقون الفلاح في وضح النهار !
أسمع كلامك... لا أصدقك، أشوف أفعالك... لا أتعجب!
هذا القول ينطبق على كثير مما تقوله وتفعله الحكومة، وينطبق أكثر على الطاقم الاقتصادي بقيادة الدردري وزملائه المعنيين، وحتى معاونيهم ومن لف لفهم. وكثيراُ ما يجري تداول مفاهيم ومصطلحات يجري تحريفها عن معناها الحقيقي، أو إفراغها من محتواها وتشويهها. وهذه المصطلحات والمفاهيم لا تقتصر على جانب معين من حياة الوطن والمواطن، وإنما شملت كل الجوانب، فالتحديث والتطوير أصبح بالمشاركة والخصخصة والبيع، وثقافة المقاومة أصبحت بالثقافة الاستهلاكية والسياحية، ومهرجانات التهريج بالاستيعاب والتعليم، والتعليم الموازي والافتراضي والمفتوح والجامعات الخاصة.
النمو والاعتماد على الذات، بدأ بالسوق الاجتماعي وإعادة توزيع الدعم لمستحقيه، ثم ألغي الاجتماعي، وذهب رفع الدعم إلى جيوب غير مستحقيه.
الأمثلة كثيرة. كل ذلك خلق لدى المواطن موقفاً «سلبيا» اتجاه المفاهيم والمصطلحات الحقيقية، مع العلم أنه لم تنطلِ عليه هذه الحيل «الإعلامية»، لأن ما يلمسه من وقائع، وما يعانيه منها، يتناقض تماماً مع الأقوال، لكن على رأي الأغلبية التي تقول: ماذا نفعل «حكم القوي على الضعيف»؟!
إن الخطورة في كل ذلك تكمن في انعكاسه «على الوطن» ككل، إذ باتت تهدد أمن المواطن وكرامته، وأمن الوطن واستقلاله، من خلال اتساع نفوذ «قوى السوق» الليبرالية وحلفائها في الداخل والخارج، التي لا تهمها إلا أرباحها، وارتباطاتها، متجاهلة حيناً، ومهددةً أحياناً، الأمن الغذائي والأمن الوطني، من خلال إهمال عنصر الإنتاج الأساسي في وطننا وهو «الزراعة».
كلنا يعرف ما جرى في السنة الماضية، كيف تم التعامل مع الموسم الماضي من القمح من حيث الاستلام والتسعير، ما سمح للتجار والمتنفذين بسرقة الفلاح والدولة معاً، في وضح النهار.
ومعروف ما جرى من تفريط بالمخزون الاستراتيجي وآثار ذلك، وهذا ما استدعى استجرارنا لـ500 ألف طن من القمح من الإمارات.
ومعروف ماجرى من رفع الدعم عن المحروقات المتسلسل، وقمته رفع سعر المازوت 360 % وهذا الرفع من حيث النسبة والتوقيت في الريات الأخيرة لموسم القمح، أدى إلى انخفاض كبير في كمية الإنتاج، بالإضافة للتسعيرة الأخيرة 16.5 ل.س، وهي سعر بخس لا يوفي الفلاح نصف كلفة تعبه، وما مارسته الحكومة من إجراءات كأيام «الميرة»، ولدت لدى المواطن عموماً والفلاح المنتج خصوصاً، ليس استياء فقط بل كراهية كبيرة. كل ذلك مر دون «محاسبة» لأحد، بل إن من قاموا بذلك لا زالوا يصولون ويجولون بـ«دونكيشوتية»، إذ طالعنا وزير الزراعة بعدة مواقف منها البحث عن بدائل للمحاصيل الاستراتيجية كالقطن والقمح، وأن الحكومة تستطيع شراء القمح من الخارج بـ19 ليرة سورية للكغ، ولا يهمه انعكاس ذلك على الأمن الغذائي للوطن والمواطن، ولا على الأمن الوطني.
ويأتي حديث «المصارحة» لمعاونه الدكتور «نبي رشيد محمد» في جريدة الثورة، العدد 1396 تاريخ 24/8/2008، متمماً لحديث وزيره من حيث الوهم والخداع وتشويه المفاهيم والمصطلحات، وأهم ما «صارحنا» به:
ـ إن المساحات المزروعة بمحصول القمح مستقرة منذ سنوات، ولا يوجد أي تخفيض عليها، إلا أن الإنتاج الزراعي بشكل عام يتعرض في معظم السنوات للظروف المناخية السيئة، ويتأثر المردود بشكل كبير، لأن 70 % من الأرض تعتمد على المطر، وقد استلمت المؤسسة العامة للحبوب ما يقارب المليون طن، وهذا مع المخزون الاستراتيجي يفيض عن حاجة الاستهلاك المحلي.
ـ إن الوزارة أعدت العدة لمواجهة الصعوبات في الموسم القادم بزيادة المساحات المزروعة بمقدار 28108 هكتاراً للمروي، و18330 هكتاراً للبعل.
ـ زيادة كمية البذار الموزعة من 100 ألف طن إلى 160 ألف طن، وهي محسَّنة بنسبة 3 % وهذا سيرفع الانتاج بنسبة 20 %، أي تم التخطيط لإنتاج 4.8 مليون طن.
والسؤال الأهم الذي نوجهه للوزير ومعاونيه وللطاقم الاقتصادي بأجمعه: هل «تضبط حسابات السرايا على حساب القرايا»؟ وهل الأحوال الجوية فقط هي السبب في ما تعرض له الموسم الماضي؟! أم أن «العذر أقبح من الذنب»؟
وما لم يصارحنا به «معالي» معاون الوزير هو: كم ستنتج الأراضي من المنتجات الزراعية بعد ارتفاع سعر المازوت؟1 وكم هي تكلفة الإنتاج بعد ارتفاع أسعار مستلزمات الانتاج؟ وكم هو السعر المناسب للمنتوج الذي ستعطونه للفلاح لقاء جهده، ولكي يعيش ويقدم على زراعة القمح مرة أخرى؟! إن الخطط الوهمية والخمسية، ومنها الزراعية إذا لم تأخذ في الحسبان بالدرجة الأولى مصلحة الوطن والمواطن وكرامتهما، هي خطط «خداعة». لذا نختم بالقول: «أسمع كلامك لا أصدقك، أشوف أفعالك لا أتعجب».