افتتاحية قاسيون 1233: الضرورات السياسية وما يلائمها اقتصادياً

افتتاحية قاسيون 1233: الضرورات السياسية وما يلائمها اقتصادياً

يكاد لا يختلف سوريان على الضرورات السياسية الكبرى التي تواجه البلاد. وعلى رأس هذه الضرورات وحدة البلاد أرضاً وشعباً وسيادتها وسلمها الأهلي، وعدالة انتقالية حقيقية، لا انتقامية ولا ثأرية ولا انتقائية، تسمح بجبر الضرر وتتأسس على دراسة الأسباب لمنع تكرارها، وجيش وطني موحد ينهي الحالة الفصائلية، ويقوم على الكفاءة وعلى هوية وطنية جامعة، ترى كل السوريين مواطنين متساوين، وظيفته الدفاع عنهم ضد الاعتداءات الخارجية، وحماية الدستور الذي ينبغي أن يحمي بدوره حرية السوريين بأبعادها السياسية والاجتماعية والثقافية.

تحقيق الضرورات السياسية الوطنية، يتطلب البحث عمّا يلائمها اقتصادياً؛ أي عن النموذج الاقتصادي الذي يشكل الأرضية الصلبة لتحقيق تلك الضرورات، ويتطلب في الوقت نفسه، القطع مع كل إجراء أو توجه اقتصادي يعيق أو يمنع الوصول لتلك الضرورات... أي أن الوصول إلى تحقيق الضرورات السياسية لا يمكن أن يتم دون ربطها ربطاً واضحاً ومنطقياً مع النموذج الاقتصادي.

من البديهي، أن تحقيق السلم الأهلي ووحدة البلاد والشعب وإنهاء الانقسامات المدمرة وإلخ، لا يمكن أن يتم دون البدء بشكل حقيقي بمعالجة مشكلات الفقر والبطالة والتهميش، ودون دور اجتماعي قوي للدولة في التعليم والصحة والإسكان وفي القطاعات الاستراتيجية الأساسية، مثل: الموانئ والطاقة، ودون دعم حقيقي للصناعة والزراعة.

السلوك العملي المتبع حتى الآن من جانب السلطات، يشير إلى توجه اقتصادي مطابق لذاك الذي كان في عهد بشار الأسد، على الأقل منذ عام 2005؛ أي التوجه نحو الليبرالية الاقتصادية المتوحشة، ونحو تخلي الدولة عن دورها الاجتماعي، ونحو «الخصخصة» وما يسمى «اقتصاداً حراً» ونحو تطبيق وصفات صندوق النقد والبنك الدوليين.

التجربة التاريخية لعشرات الدول في «العالم الثالث»، تشير إلى أن تطبيق وصفات الليبرالية أدى إلى تعميق الفساد الكبير، وإلى إفقار عموم الناس، وإلى إضعاف الإنتاج الحقيقي، وإلى إضعاف الدولة ككل في نهاية المطاف، وإلى تعزيز التناقضات الداخلية ضمنها وتعزيز احتمالات انفجارها.

ضمن لوحة الإجراءات الاقتصادية الفعلية التي يجري اتخاذها حتى الآن، والتي تتماشى بخطها العام مع وصفات المؤسسات الغربية، يبرز تصريح حاكم مصرف سورية المركزي بوصفه اتجاهاً صحيحاً مخالفاً لتلك الإجراءات؛ حيث يقول الحاكم: «بأمر من فخامة الرئيس الشرع، لن تلجأ سورية إلى الديون الخارجية، ولن يكون هناك لجوء للاستدانة من صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي»، ويضيف: «لن نربط سعر الليرة السورية بالدولار أو اليورو».

ورغم أن هذه التصريحات تشكل خروجاً عن التصريحات والسلوك السابق، إلا أنها تعبر عن موقف صحيح يجب دعمه وتعزيزه؛ فالاعتماد ينبغي أن يكون على الموارد الداخلية، وينبغي تقليل الاعتماد على الديون الخارجية للحد الأقصى، وخاصة الديون من المؤسسات الغربية ذات السمعة السيئة بشروطها لما يسمى «الإصلاح الهيكلي» (والذي يعني تقويض دور الدولة الاجتماعي، وفتح الباب للمضاربين والناهبين ورجال الأعمال لتحقيق الأرباح على حساب عامة الناس)، وينبغي أن يتم الاعتماد على الصناعة والزراعة وتنميتهما، بعيداً عن شعارات بشار الأسد القائلة تارة بأن «التجارة قاطرة النمو» وأخرى «السياحة قاطرة النمو».

عوداً على بدء، فإن الضرورات السياسية والنموذج الاقتصادي أمران متداخلان يتطلب كل منهما الآخر، والمدخل نحو التصدي لهما هو المشاركة الحقيقية للسوريين في صنع قرارهم وصنع مستقبل بلادهم، وعبر مؤتمر وطني جامع يكون المدخل والأداة نحو تمليك الشعب السوري لحقه في تقرير مصيره بنفسه...

 

(English Version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1233
آخر تعديل على الأحد, 06 تموز/يوليو 2025 23:34