افتتاحية قاسيون 1229: كيف ننتصر في «الحرب على الفقر»؟

افتتاحية قاسيون 1229: كيف ننتصر في «الحرب على الفقر»؟

رفعت السلطات القائمة، ممثلة بالرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، قبل أيام شعار «الحرب على الفقر»؛ وهو شعار محق وطموح ويتجاوب مع رغبة أكثر من 90% من السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر منذ سنوات.

ورغم أهمية الشعار، إلا أنه يبقى شعاراً ما لم يقترن ليس فقط بعملٍ جاد لتحقيقه، بل وأيضاً بمنهجية صحيحة. والتاريخ يعلمنا، بما فيه التاريخ السوري، أن الشعارات يمكنها أن تتحول في الواقع إلى عكسها تماماً.

ضمن المنهجية المطلوبة لحرب حقيقية على الفقر، ينبغي أولاً وقبل كل شيء، القطع مع السياسات والمنهجيات التي تم اتباعها في العهد البائد؛ ونقول: السياسات والمنهجيات وليس الشعارات، لأن البعض يعمل على تكريس سياسات نظام بشار الأسد الاقتصادية نفسها، عبر مهاجمة الشعارات الكاذبة التي كان يرفعها.

بكلام أوضح، فإن نقاط الارتكاز الأساسية لمنظومة العمل والتفكير الاقتصادي في العقدين ونصف اللّذين حكم خلالهما بشار الأسد، وقبلهما العقد الأخير من حكم أبيه، كانت كالتالي:

أولاً: تبني وصفات المؤسسات الدولية الغربية بشكل تدريجي، ولكن ثابت ومتصاعد منذ 2005، وهي باختصار: «اللبرلة الاقتصادية»، «اقتصاد السوق الحر»، «الانفتاح»، «الخصخصة» وتدمير القطاع العام، رفع الدعم التدريجي عن مختلف المواد الأساسية، الإنهاء التدريجي لأي دور اجتماعي للدولة، تشجيع التجارة والسياحة والقطاع المالي على حساب الصناعة والزراعة. ورفع مستوى التبادل التجاري مع الدول الغربية إلى 70% من مجمل تجارة سورية الخارجية. (اليوم يجري الدفع نحو تطبيق الوصفة نفسها وبشكل أوسع، وتقديمها على أنها انقلاب على سياسة الأسد الاقتصادية، في حين أنها في الحقيقة استكمال لما بدأه!).

ثانياً: الاعتماد على الميزات النسبية في الاقتصاد، وعلى الموقع الجغرافي-السياسي لسورية، بوصفهما العمود الفقري للاقتصاد السوري. (الميزات النسبية هي تلك التي نملكها ويملكها غيرنا، وتتحدد أسعارها وفق العرض والطلب ضمن السوق العالمية، مثلاً: النفط، الغاز، الفوسفات، القمح، القطن).

ثالثاً: اعتماد المدرسة النقدية (الميركانتيلية/الربوية)، لإجراء الحسابات القومية، ما أدى بشكل دائم لتضخيم قيمة الناتج المحلي الإجمالي، ولإخلال في التوازن بين الكتلة النقدية والكتلة السلعية، باتجاه واحد دائماً، هو تضخم الكتلة النقدية، وبالتالي ارتفاع الأسعار بشكل مستمر، وتالياً، إفقار أصحاب الدخول المحدودة عاماً وراء الآخر، وتقليص حجم الشرائح الوسطى وصولاً إلى إفنائها.

 

إن حرباً حقيقية ناجحة على الفقر، تتطلب القطع مع منهج الأسد وسياساته الاقتصادية، وتتطلب بالتالي:

أولاً: الحفاظ على الميزات النسبية والاستثمار بها، ولكن نقل مركز ثقل العمل نحو الميزات المطلقة لتكون هي العمود الفقري لاقتصادنا (وهي تلك الميزات التي نملكها كسوريين بشكل حصري واحتكاري تقريباً، وتتميز بأن نسب العائدية فيها عالية جداً، وتحتاج إلى رؤوس أموال صغيرة أو متوسطة، ويوجد لدينا منها مئات الميزات موزعة على المحافظات السورية المختلفة)، ونقطة الانطلاق هي حصر تلك الميزات واستكمال الدراسات حولها، ووضعها ضمن خريطة استثمارية شاملة.

ثانياً: إنشاء مجمعات صناعية زراعية تربط عمليات الإنتاج وتقلل تلاعب السوق بالأسعار، وتسمح بتعظيم القيم المضافة، وبالتالي العائدية، إلى الحدود القصوى.

ثالثاً: القطع مع السياسات الليبرالية التي عارضناها بشكل ثابت منذ البدء في تطبيقها مع قانون الاستثمار رقم 10 لعام 1991. وفي المقابل، نقل مركز ثقل العلاقات الاقتصادية الخارجية لسورية نحو نقطة توازن جديدة، تتناسب مع الأوزان الحقيقية للقوى الدولية، أي نحو نقطة أقرب للشرق، خلافاً لطريقة الأسد في سحب سورية إلى التبعية الاقتصادية للغرب.

رابعاً: إعادة النظر في منهج وطريقة إجراء الحسابات القومية بأكملها، ابتداء بطريقة حساب الدخل الوطني/ الناتج المحلي الإجمالي، ووصولاً إلى أرقام حقيقية يمكن على أساسها بناء سياسات واضحة المعالم، وتقليص النهب عبر التضخم وصولاً لإنهائه.

خامساً: عماد الحرب على الفقر هم الفقراء أنفسهم، الذين ينبغي تجميع قواهم وطاقاتهم بوصفهم المنتجين الحقيقيين في البلاد؛ الأمر الذي يتطلب دعماً وازناً للتعليم والصحة والإسكان، وهو أمر قابل للتحقيق عبر موارد القيم المطلقة والنسبية، وعبر إعادة توزيع الثروة على حساب أمراء الحرب.

 

أخيراً: ربط هذه المنهجية بأكملها بتوجه سياسي للبلاد يقره مؤتمر وطني عام، وتنفذه حكومة وحدة وطنية، بحيث يضمن بناء علاقات دولية متوازنة تحفظ استقلال البلاد وتمنع سقوطها في التبعية. وتوجهٌ كهذا، هو أمر لا يمكن إنجاح الحرب على الفقر دونه...

(English Version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1229
آخر تعديل على الأحد, 01 حزيران/يونيو 2025 22:43