افتتاحية قاسيون 1150: الهدنة: بداية الاعتراف بالانتصار الفلسطيني

افتتاحية قاسيون 1150: الهدنة: بداية الاعتراف بالانتصار الفلسطيني

واصل الكيان الصهيوني طوال عدوانه الأخير على غزة، رفض أي حديث عن وقف إطلاق النار، بل وأيضاً رفض الحديث عن أية هدنة، ولكنه خضع في نهاية المطاف لهدنة مؤقتة من أربعة أيام بدأت يوم الجمعة الماضي، وتتضمن تبادلاً للأسرى.

إنّ خضوع الكيان لهذه الهدنة، وخاصة خضوعه لشروط وإنذارات المقاومة الفلسطينية بكسر الهدنة في حال لم ينفذ شروطها، بما في ذلك معيار الأقدمية ضمن الأسرى الفلسطينيين المحررين، إنّ هذا الخضوع هو بداية الاعتراف الصهيوني بالهزيمة، والذي لن يطول الوقت حتى يغدو اعترافاً كاملاً بحكم الأمر الواقع.

فلنتذكر، أنّ الكيان بدأ حربه مع سقف أهدافٍ جنوني، تضمن تهجير أهل غزة إلى مصر، ومن ثم تهجيرهم جزئياً من شمال القطاع إلى جنوبه، القضاء على حماس، تدمير الأنفاق، منع إطلاق الصواريخ من غزة، تحرير أسراه دون إطلاق أيٍ من الأسرى الفلسطينيين، محاصرة دخول المساعدات، ومنع دخول الوقود نهائياً.

والآن، ما الذي تحقق من هذه الأهداف حتى يقبل الكيان بالهدنة؟ لا شيء إطلاقاً، بل على العكس، فإنّ قبول هذه الهدنة يعني اعترافاً ضمنياً بالطرف المقابل الذي يتم عقد الهدنة معه، أي المقاومة الفلسطينية، وفي القلب منها حماس. وهو اعتراف بأنّ جنوده يرتعدون رعباً في كل زاوية دخلوها من زوايا غزة، ويتلقون ضربات من كل صوب، من فوق الأرض ومن تحتها، وعبر الأنفاق التي يريدون تدميرها. ويعني اعترافاً بأنّه عاجز عن وقف إطلاق الصواريخ من غزة، والتي كانت آخر رشقاتها قبل ساعات فحسب من بدء سريان الهدنة. واعترافاً بأن أسراه لا يمكن أن يعودوا إلا عبر مبادلة أسرى، أي كما قالت المقاومة منذ اللحظة الأولى. وأنّ حديث العدو عن الإجهاز على حماس محض هراءٍ لا أمل في تحقيقه. وأنّ المساعدات دخلت وستدخل رغماً عنه بما فيها الوقود، وسيزداد تدفقها مع الوقت شاء أم أبى. وبكلمة واحدة، فإنّ كل الأهداف التي أعلنها الصهيوني ومعه الأمريكي قد باءت بفشلٍ ذريع، ولم يتحقق أي منها، بل وتحقق ويتحقق عكسها مع كل يومٍ إضافي يواصل فيه حربه الإجرامية الخاسرة. ولهذا كله، فإنّ الهدنة هي إعلان انتصارٍ أولي لفلسطين ومقاومتها، وهو توطئة لانتصارات أكبر لاحقة، رغم كل التهديد والوعيد الفارغ والهستيري الذي يطلقه سياسيو وعسكريو الكيان.

إضافة إلى إفشال أهداف العدو، فإنّ طوفان الأقصى والصمود العظيم الذي تلاه، وكذا البطولات الهائلة على الأرض في غزة، كل ذلك قد تثبتت نتائجه الإيجابية العديدة، وبينها:
أولاً: تم تجميد موجة التطبيع، بل وتم عملياً دفن اتفاقات أبراهام، وتم وضع الاتفاقات السابقة من نمط كامب ديفيد ووادي عربة، موضوعياً وبغض النظر عن رأي الأنظمة، تم وضعها على طاولة البحث التاريخي مجدداً.

ثانياً: الحملة العالمية غير المسبوقة المناصرة للحق الفلسطيني، والحبلى بتغييرات كبرى قادمة بوصفها بداية موجة حراك شعبي عالمي جديد، مرتبط بفلسطين، ولكن مرتبط بالقدر نفسه، وربما أكثر بالأوضاع الداخلية للدول التي تخرج فيها، وخاصة الدول الغربية.

ثالثاً: مرةً جديدة، تم تثبيت صحة مقولة، إنّ المقاومة هي دائماً أقل كلفة من الاستسلام والتطبيع.

رابعاً: إذا كان الصهيوني هو المساهم الأنشط من خلف الستار في تدمير الدول العربية وتفتيتها، وخاصة في العقد الأخير، ويفرك يديه فرحاً، فإنّه الآن في الواجهة، وتحت نيران المقاومة الفلسطينية، وتحت النيران السياسية والإعلامية للشعوب. وهذا من شأنه عكس الاتجاه العام للأحداث في مجمل منطقتنا، بعيداً عن الدمار والتفتيت ونحو الاستقرار والتنمية.

ختاماً، ولأنّ الصهيوني كان منذ 1948 بلطجي المنطقة، وعبر 56، و67، و82 وإلخ وصولاً إلى اليوم، فإنّنا اليوم مع انتصار المقاومة الفلسطينية، ومع التوازن الدولي والإقليمي الجديد أمام انفتاحٍ لأفق الحل الحقيقي، لفلسطين والمنطقة بأسرها؛ وهذا الحل يقوم على إنهاء الصفة البلطجية والصهيونية للكيان مرة وإلى الأبد، والطريق الأهم بهذا الاتجاه يبدأ بنزع سلاح هذا الكيان بشكل كامل. لأنّ نزع سلاح الكيان الذي كان طوال قرن من الزمن أداة في تخريب المنطقة، هو المدخل الأساسي للاستقرار وللسلام، بالتوازي مع إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.

(English version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1150
آخر تعديل على الجمعة, 01 كانون1/ديسمبر 2023 23:14