ماذا تريد واشنطن في فلسطين ارتباطاً بالشرق الأوسط بأكمله وبالصراع الدولي؟

ماذا تريد واشنطن في فلسطين ارتباطاً بالشرق الأوسط بأكمله وبالصراع الدولي؟

بعد أيام قليلة، يكون قد مضى شهر ونصف على 7 أكتوبر. ابتداءً من يوم 16 أكتوبر وحتى اليوم، شهد مجلس الأمن الدولي فشل أربعة مشاريع قرارات، ومرور واحد، وشهدت الأمم المتحدة مرور قرارين.

إلقاء نظرة شاملة على مجمل هذه المشاريع والقرارات، من شأنه أن يوضح طريقة التعامل الأمريكية خاصة مع ما يجري، وما تعمل عليه، وما تخطط له واشنطن.
أول مشروع قرار كان مشروع قرار روسي تم التصويت عليه يوم 16 أكتوبر، وتلخص جوهره في ثلاث أفكار: 1- وقف فوري لإطلاق النار. 2- فتح باب المساعدات والإغاثة وإنهاء حصار قطاع غزة. 3- الذهاب لحل سياسي على أساس القرارات الدولية، وعبر إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ضمن فكرة حل الدولتين.
استخدمت الولايات المتحدة حق النقض الفيتو ضد مشروع القرار، وكانت الوحيدة التي رفضت ذلك، وتذرعت في حينه بأنّ القرار لا ينص على «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، ولا يصنف حماس كـ «حركة إرهابية».
جاء بعد ذلك مشروع القرار البرازيلي بتاريخ 18 أكتوبر، والذي شطب فكرة وقف إطلاق النار، وأبدلها بفكرة «هدن إنسانية مؤقتة»، ومع ذلك فقد رفضته الولايات المتحدة، وكانت الوحيدة التي رفضته؛ حيث وافقت عليه 12 دولة من أصل 15 في مجلس الأمن، وامتنعت عن التصويت دولتان، كل لأسبابها التي عرضتها، هما روسيا وبريطانيا؛ أما روسيا فقد امتنعت عن التصويت لأنها لن تقف ضد هدن إنسانية، لكنها ترى أنها أقل بكثير من المطلوب، وأنها رخصة غربية للكيان للاستمرار بالقتل، ومطلبها كان وقف إطلاق نار دائم، وليس هدنة مؤقتة. أما بريطانيا، فموقفها واضح في الانحياز إلى الكيان، ولكنها مع ذلك لم تمارس دور وجه القباحة المطلق الذي تلعبه الولايات المتحدة منفردةً، ربما ومعها «إسرائيل» وأكرانيا وميكرونيزيا في الأمم المتحدة.
مشروع القرار الثالث كان أمريكياً، وتم التصويت عليه يوم 25 أكتوبر، وهو لا يدعو لوقف إطلاق النار بطبيعة الحال، وفوق ذلك يدين حماس ويقول بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها». ولم يمر القرار بسبب استخدام كل من الصين وروسيا حق النقض الفيتو ضده، وأيدت الدول الغربية في مجلس الأمن مشروع القرار الذي تقدم به معلمهم الأمريكي.
مشروع القرار الرابع جاء في اليوم نفسه، 25 أكتوبر، وكان مشروعاً روسياً، جرى أيضاً منع تمريره باستخدام الفيتو الأمريكي والبريطاني هذه المرة. وعند هذا الحد بدأ الأمريكان بالقول علناً بأنهم ضد وقف إطلاق النار وسيمنعون أي محاولة لوقف إطلاق النار!
بالتوازي، وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة، جرى التصويت على قرارين بخصوص الوضع في غزة، وفي فلسطين عموماً. الأول: في 27 أكتوبر قدمته المجموعة العربية، وكانت نتائج التصويت عليه كاشفةً للاصطفاف الدولي؛ حيث وافقت عليه 121 دولة، ورفضته 14 دولة، وامتنعت عن التصويت 44. ودعا مشروع القرار إلى «هدنة إنسانية فورية ودائمة» وهو تعبير يطابق بالمعنى الفعلي تعبير «وقف إطلاق نار دائم».
القرار الثاني: تم التصويت عليه في 9 تشرين الثاني، وتضمن إدانة للمستوطنات «الإسرائيلية» غير الشرعية في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية والجولان السوري، وتم اعتماد القرار بتصويت 145 دولة، وامتناع 18، و7 دول فقط ضد القرار بينها الولايات المتحدة وكندا و«إسرائيل».
المفارقة في هذا التصويت الثاني، هو أنّ الدول التي وقفت ضد القرار، وضعت نفسها بشكل مفضوحٍ وعلني ضد قرارات دولية سابقة كانت قد وافقت عليها بما فيها ضمن مجلس الأمن الدولي؛ لأنّ مسألة عدم شرعية الاستيطان الذي يقوم به الاحتلال على الأراضي الفلسطينية، هي مسألة تم إقرارها في سلسلة من قرارات مجلس الأمن الدولي.

الهدف؟

من الواضح، أنّ الولايات المتحدة على الخصوص، ومعها بعض الدول الغربية، تضع نفسها في مواجهة مفتوحة مع العالم بأسره. وأكثر من ذلك فإنها تضع نفسها في مواجهة ساقطة أخلاقياً وإنسانياً وقانونياً إلى درجة تفقأ الأعين... وهذا وإنْ لم يكن غريباً على الأمريكان، لكنهم اعتادوا سابقاً على محاولة تغطية إجرامهم بطريقة أو بأخرى، باختراع ذرائع وحجج مختلفة. لكنهم هذه المرة يتعاملون بوقاحة تكاد تكون غير مسبوقة إلا في عصور الاستعمار والاستعباد التقليدي، الذي كانت تُباد ضمنه شعوب بأكملها، تحت مسمى «دفع الشعوب الهمجية نحو الحضارة»!
وهذا السلوك يحتاج تفسيراً؛ فهو ليس مجرد اضطرارٍ أمريكي، مع أنّ هذا (أي الاضطرار) يمكنه أن يفسر جزئياً، ولكن ليس كل المسألة...
من الممكن التفكير بأنّ الولايات المتحدة، وفي إطار احتدام الصراع على المحافظة على الأحادية القطبية التي تتداعى، وبدل أن تقبل بالتراجع التدريجي وبالوصول إلى تفاهمات جديدة على المستوى الدولية، بدل ذلك فإنها تفعل كما يفعل كل المقامرين المدانين: ترفع الرهان لعل الطرف الآخر يخاف وينسحب. الخطير في المسألة هي أن عملية رفع الرهان ما تزال مستمرة حتى اللحظة، والولايات المتحدة مع تأخر وقف إطلاق النار، تقترب أكثر فأكثر من المقامرة بكل شيء دفعة واحدة... بما في ذلك دفع الأمور إلى تخوم حرب إقليمية، ومن ثم عالمية.
ولكن هنا ينبغي الانتباه إلى أيّ نوع من الحروب يسعى الأمريكان نحوها... فهم فعلاً لا يريدون توسيع رقعة الحرب بوصفها حرباً مع «إسرائيل» وضدها. أي أنهم لا يريدون أن تتوسع الجبهات المحاربة للكيان، ولكنهم في الوقت نفسه يريدون لمركز الحرارة المرتفعة في فلسطين أن يكون مستمراً، بحيث يتم استخدام هذه الحرارة في إشعال الإقليم بأكمله، ودوله الكبرى بشكلٍ خاص، بجملة من الصراعات والحروب الدموية الداخلية بالدرجة الأولى، وبحيث تتحول الهزيمة التي تلقاها الغرب، وتلقاها الكيان إلى فرصة لإشعال فوضى شاملة في المنطقة، من شأنها برأيهم إعادة ترتيب التوازنات مجدداً في العالم بأسره، لمصلحتهم...
هذا الإطار الافتراضي، ربما يسمح بفهم الإصرار الأمريكي على تمديد الحرب لأطول فترة ممكنة، ويسمح بتفسير سلوك واشنطن في مجلس الأمن وفي الجمعية العامة. ويسمح أيضاً بفهم التوازي المستمر في الموقف الأمريكي بين «العمل لعدم توسيع رقعة الحرب» بالمعنى الذي سردناه أعلاه، وبين منع وقف إطلاق النار. ولذا يصبح من المنطقي التفكير بكسر إرادة واشنطن، انطلاقاً من هذه الثنائية بالذات، وبالشكل الأمثل المناسب...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1149
آخر تعديل على السبت, 02 كانون1/ديسمبر 2023 00:42