افتتاحية قاسيون 1144: ملامح سُويس جديدة في الأفق..
إذا ما أقدم الصهاينة على غزوٍ بريٍ لغزة، فمن الممكن جداً أن يتحول هذا الغزو إلى آخر المغامرات التي يخوضها الكيان الصهيوني، لأنّ قيامه بذلك يعني آلياً توسيع رقعة الحرب، بحيث تشمل كامل الداخل الفلسطيني، وبشكل أعلى فاعلية بكثير مما هو الآن، ويعني أيضاً توسعها نحو الإقليم، بكل ما يحمله ذلك من مخاطر كبرى على الكيان نفسه قبل أي أحد آخر، ومعه حلفاؤه الذين لن ينجوا من التأثيرات المباشرة عليهم وعلى مصالحهم وعسكرهم في المنطقة.
الإقدام على الغزو البري لغزة، سيعني كذلك توسّع الغضب العربي والعالمي ضد الإجرام الصهيوني، والذي ورغم كل الإرهاب الإعلامي والسياسي الغربي لم ينخفض ولم ينقلب، وما يزال حجم التعاطف مع القضية الفلسطينية واسعاً حول العالم...
وبكلمة، إذا أقدم "الإسرائيلي" على غزو غزة برياً، فلن يسلم من نتائجه الكبرى، لا الصهاينة ولا حلفاؤهم ورعاتهم، وستتحول الخسائر الحالية التي حلّت بهم إلى خسائر مضاعفة عدة أضعاف. وهذا ما يدركه جيداً الأمريكان على وجه الخصوص، ولذا يسعون- أو على الأقل تيار أساسي ضمنهم- إلى حصر رقعة الصراع لتقليل خسائرهم وخسائر الكيان التي وقعت، ولا مجال للتراجع عنها أو لتعويضها.
الكيان خسر بكل الأحوال، سواء دخل برياً أم لم يدخل. ولكن إنْ لم يدخل برياً فإنّه سيترك لنفسه هامشاً لتأجيل الخسائر الكبرى المستحقة بعض الوقت لا أكثر، وعلى رأسها: أنّ الباب قد فتح بشكل لا رجعة فيه نحو إقامة الدولة الفلسطينية على أساس تطبيق القرارات الدولية.
عام 1956، لم يتطلب الأمر أكثر من عشرة أيام حتى تم إعلان فشل العدوان الثلاثي على مصر، ورده على أعقابه، دون تحقيق أيٍّ من نتائجه. ورغم أهمية المقاومة التي خاضها الشعب المصري في حينه، إلا أنّ الجانب العسكري لم يكن الحاسم في الوصول إلى هذه النتيجة؛ بل كان هنالك الإنذار الذي وجهه الاتحاد السوفييتي في حينه للدول المعتدية، وعرف تاريخياً تحت الاسم الشهير (إنذار بولغانين)، والذي أعطى ثماره في أقل من 48 ساعة من إطلاقه، في تعبير مهم عن التوازن الدولي الجديد الذي كان قد تشكل في حينه.
في الخمسينيات، كان الأمر أشبه بمعجزة؛ إذ كان من الصعب على الكثيرين أن يتخيلوا أنّ كلاً من بريطانيا وفرنسا، الإمبراطوريتان الاستعماريتان الكبريان، ومعهما «إسرائيل»، يمكن أن يتم ردعهم جميعاً، وإجبارهم على وقف عدوانهم، ولكن ثبت أنّ ذلك ممكن.
اليوم، ومع المواقف الواضحة لكل من روسيا والصين وإيران، إضافة إلى مواقف بعض الدول العربية الأساسية، فإنّه ليس بين يدينا توازن دولي مشابه لذاك الذي في الخمسينيات فحسب، بل ولدينا فوقه تقدم عسكري واضح وجليٌ أثبته «طوفان الأقصى»، والذي لا يمثل كل القوى التي يمكن الزج بها في وجه العدو، بل جزءاً منها فحسب.
هذا كلّه يعني أنه تتشكل أمام أعيننا ملامح سُويس جديدة، أعظم وأكبر مما كانت عليه نسختها الأولى؛ تتشكل أمام أعيننا لوحة يتم فيها كسر شوكة الغرب الاستعماري بأسره، ويفتح الباب ليس فقط نحو انتصار الشعب الفلسطيني انتصاراً ناجزاً وواضحاً، بل وأيضاً: انتصار شعوب المنطقة معه، عبر إعادة تشكيل كامل المنظومة الإقليمية انطلاقاً من هذا الانتصار نفسه.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1144