انتهاء صفقة الحبوب... و«إسرائيل الجديدة»!

انتهاء صفقة الحبوب... و«إسرائيل الجديدة»!

انتهت اتفاقية الحبوب الموقعة بين روسيا وأوكرانيا بوساطة تركية يوم 22 تموز الماضي. وكانت الاتفاقية تنص على السماح بنقل الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود على أن يتم تفتيش الشحنات في مضيق البوسفور التركي بإشراف من تركيا والأمم المتحدة كي لا يتم استخدامها لنقل الأسلحة.

تنتج روسيا وأوكرانيا أكثر من ثلث الإنتاج العالمي من الحبوب، ضمناً القمح والذرة. ورغم أنّ أسعار الغذاء العالمي كانت في صعود مستمر لسنوات متتالية ما قبل المعركة في أوكرانيا، إلا أنّ الغرب شغل آلته الإعلامية لتقديم صورة محددة هي أنّ «الحرب الروسية على أوكرانيا» هي السبب وراء أزمة الغذاء العالمية، وخاصة في الدول الإفريقية والدول الفقيرة على العموم.

لمن باعت أوكرانيا حبوبها؟

منذ تم إقرار صفقة الحبوب قبل عام، تم وضع أوكرانيا والدول الغربية تحت الاختبار أمام العالم بأسره، حول كيفية تصرف أوكرانيا بحبوبها التي سمحت الصفقة لها بتصديرها. النتيجة كانت كالتالي:

5029dc33-59c6-4fa2-8bd1-978b7fd65158

تم تصدير أكثر من 20 مليون طن من المواد الغذائية اعتباراً من 6 شباط الماضي من 3 موانئ أوكرانية مطلة على البحر الأسود.

استلمت البلدان ذات الدخل المرتفع (الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وغيرها) 8.6 مليون طن من البضائع (47%).

أما البلدان ذات الدخل الأعلى من المتوسط (الصين والأردن وماليزيا وغيرها) 6.1 مليون طن 33%.

الدول ذات الدخل أقل من المتوسط (بنغلاديش والهند وإندونيسيا وباكستان باكستان) 2.9 مليون طن 16%.

الدول الفقيرة (الصومال وإثيوبيا واليمن والسودان وأفغانستان وجيبوتي) 551 ألف طن، أي 3%، وبين هذه الكمية الضئيلة نسبياً، فإنّ أكثر من ثلثيها (396 ألف طناً) تم دفع قيمتها لأوكرانيا عبر برنامج الأغذية العالمي.

أي أنّ أوكرانيا فعلياً لم تبع بشكل مباشر للدول الفقيرة سوى 1% من حبوبها. وبعد ذلك يواصل الغرب، وبلا خجل، ذرف دموع التماسيح على الدول الفقيرة!

جاء منع تمديد الصفقة من الجانب الروسي نتيجة لعدم إيفاء الجانب الغربي، وضمناً الأوكراني، بتعهداته ضمن الصفقة، بما في ذلك تحييد تصدير ونقل وتأمين الحبوب الروسية من العقوبات الغربية التي سببت ارتفاعاً عالمياً في أسعار الغذاء... ولكنّ هنالك جوانب أخرى ومستويات أخرى لفهم موضوع وقف صفقة الحبوب.

أولاً: بعد اقتصادي-سياسي

أمن تصدير الحبوب الأوكرانية خلال العام الماضي، وخاصة أنه تم بصورة تجارية بحتة للدول الأكثر غنى والأقل حاجة، جزءاً مهماً من إمدادات الآلة العسكرية الأوكرانية، ولكن ربما أهم من ذلك أن هذا التصدير أمّن بدائل للدول الغربية التي احتكرت عملياً الإنتاج الأوكراني من الحبوب، تاركة بقية العالم تغرق في نقص الحبوب وفي ارتفاع الأسعار الذي تسببت به بالدرجة الأولى العقوبات الغربية التي رفعت أسعار النقل والتأمين وجعلت العمليات المالية الضرورية لبيع الحبوب مسألة بعيدة المنال بعد حجب روسيا عن نظام سويفت. وأزمة الغذاء العالمية هذه ليست أمراً تصادفياً أو نتيجة ثانوية للصراع، بل هي إحدى الغايات التي باتت النخب الغربية تعبر عنها وضوحاً ضمن برنامجها لتخفيض عدد البشر... (على سبيل المثال لا الحصر، يمكن العودة لتصريح كامالا هاريس نائبة الرئيس الأمريكي قبل أسبوعين فقط خلال مؤتمر حول مكافحة تغير المناخ، حيث قالت: «علينا الاستثمار في تقليص عدد السكان»).

روسيا من جهتها، وخلال العام الماضي، تمكنت من بناء بدائل عن طرق التصدير التقليدية السابقة على معركة أوكرانيا. الطرق القديمة كانت مرتبطة بنظام سويفت وبالتأمين عبر بنوك غربية وبطرق ملاحية محددة. تمكنت روسيا خلال هذا العام، وبالاتفاق مع الدول الأفريقية ودول الشرق الأوسط إضافة إلى دول في أمريكا اللاتينية وآسيا، من إيجاد بدائل بحيث يتم تصدير الحبوب الروسية لهذه الدول بأسعار مخفضة، وحتى بالمجان لبعض الدول الأكثر حاجة (بالتحديد 6 دول إفريقية هي بوركينا فاسو، زيمبابوي، مالي، الصومال، جمهورية أفريقيا الوسطى، إريتيريا).

ثانياً: بعد عسكري- أمني

رغم وجود التفتيش والرقابة المشتركة بين تركيا والأمم المتحدة على شحنات الحبوب عند مضيق البوسفور، إلا أنّ المسؤولين الروس صرّحوا مراراً بأنه يجري تمرير أسلحة إلى أوكرانيا تحت ستار صفقة الحبوب، وتحت ستار الخط الإنساني للمساعدات عبر البحر الأسود. وإذا افترضنا أنّ تركيا والأمم المتحدة تقومان بدور نزيه في عمليات التفتيش، فإنّ ذلك لا يلغي احتمالات شحن أسلحة بعد مضيق البوسفور؛ لأنّ أقصر الطرق من البوسفور نحو أوكرانيا يمر قرب كل من بلغاريا ورومانيا وهما دولتان في الناتو، ناهيك عن أنّ بلغاريا نفسها قد انخرطت مؤخراً في إرسال الأسلحة إلى كييف بشكل علني في تموز الماضي بشحنة من 100 مدرعة.

e35cf1ac-9740-487e-a797-59a0f5c68140

ثالثاً: بعد سياسي- استراتيجي

إيقاف صفقة الحبوب، ومعها إيقاف ما يُسمى «الخط الإنساني» عبر البحر الأسود، لن يعني بطبيعة الحال وقف الموارد التي يدعم الغرب من خلالها أوكرانيا عسكرياً ولوجستياً؛ إذ إنّ خطوط الإمداد باتجاه أوكرانيا، وبقسمها الغربي بشكل خاص، ما تزال مفتوحة على مصراعيها، فلدى أوكرانيا حدود طويلة مع كل من بولندا وسلوفاكيا والمجر ومولدوفا ورومانيا، وهي كلها أعضاء في الناتو باستثناء مولودوفا التي تمتلك صفة شريك للناتو.

13faee8b-be5a-473d-b23a-40b4cb090783

مع ذلك فإنّ إنهاء صفقة الحبوب، وكذا عمليات الهجوم البحرية التي قامت بها أوكرانيا مؤخراً بما فيها على جسر القرم مؤخراً، ومن ثم إعلان روسيا عن أيّ سفينة ستتجه إلى الموانئ الأوكرانية، سواء كانت عسكرية أم تجارية، ستعتبر هدفاً عسكرياً لموسكو، هذا كلّه يعني أنّ روسيا قررت عملياً إغلاق البحر الأسود أمام النفوذ الغربي بشكل كامل... من الصحيح أنّ لكل من رومانيا وبلغاريا إطلالة على البحر الأسود، لكن وزنهما سواء السياسي أو العسكري أو الاقتصادي، لا يسمح لهما بتشكيل تهديد من أي نوع لسيطرة روسيا على البحر الأسود، ناهيك عن أنّ المزاج الشعبي والسياسي في هاتين الدولتين شديد التقلب والحساسية، وليس منبطحاً حتى النهاية للإرادة الأمريكية.

لطالما شكّل البحر الأسود واحداً من أهم البحار الداخلية بالنسبة لروسيا، سواء في العهد القيصري، أو خلال مرحلة الاتحاد السوفياتي. بين 1991 لحظة انهيار الاتحاد السوفياتي، و2014 لحظة استرجاع القرم، كان البحر الأسود قد تحول إلى مساحة لتهديد روسيا بالضد من وضعه التاريخي، وخاصة مع انضمام كل من بلغاريا ورومانيا إلى الناتو عام 2004 ومن ثم الانقلاب في أوكرانيا عام 2014 الذي أوصل عملاء الغرب إلى السلطة.

عودة القرم إلى روسيا كانت الخطوة الأولى في استعادة السيطرة الروسية على البحر الأسود، وإغلاقه اليوم أمام الناتو وأمام استخدامه ضد المصالح الروسية، هو الخطوة الثانية ضمن عملية جيواستراتيجية تكاد تساوي بأهميتها تحرير المناطق الشرقية من أوكرانيا ذات الأغلبية الساحقة من الناطقين بالروسية، وربما قد تزيد عليها أهمية.

رابعاً: نهاية مشروع «إسرائيل الجديدة»؟

d779bc3b-a512-494d-8589-d0fd6345b306

يرجع الحديث عن إنشاء «إسرائيل جديدة» أو ما يسمونها «القدس السماوية» في جنوب أوكرانيا إلى أكثر من 20 عاماً مضت. بدأت القصة مع قناعة مراكز الصهيونية وخاصة في الوكالة اليهودية وفي مركزها في نيويورك، بأنّ استمرار «إسرائيل» على المدى المتوسط والبعيد (وهذا الكلام مطلع هذا القرن)، أمر مشكوك به وغير مستدام.

عدم استدامة «إسرائيل»، وفقاً لتنظيرات أصحاب فكرة «القدس السماوية»، ووفقاً للوقائع، يعود إلى عدة عوامل أهمها:

أولاً: المشكلة الديمغرافية

وهذه لها خمسة أبعاد:

أ‌-      الازدياد المضطرد في أعداد المستوطنين ضمن مساحة محدودة بموارد محدودة.

ب‌-  ضمن هذا الازدياد نفسه، فإنّ مجتمع الحريديم (المتدينين اليهود المتشددين الذي يرفضون التعلم ويرفضون القيام بأي خدمة عسكرية أو اجتماعية ويعيشون عالة) يزداد بصورة سريعة جداً (يصل عدد الولادات في أسر الحريديم إلى 9 أولاد).

ج- الزيادة النسبية في عدد منتحلي الهوية اليهودية، أو اليهود غير المتدينين، ضمن النخبة الفنية والعلمية، وهؤلاء ينظرون إلى «إسرائيل» بوصفها فرصة عمل مؤقتة بمجرد تغيرت الظروف فيها نحو الأسوأ، فهم مستعدون «للاستقالة» منها والعودة إلى بلدانهم الأصلية.

د. ما يسمى «مجتمعاً اسرائيلياً» هو في الحقيقة عدة مجتمعات مركبة على بعضها البعض، وهذا نتيجة طبيعية لتجميع أعداد من اليهود وغير اليهود من شتى أنحاء الأرض. وكان الاعتقاد السائد هو أنّ تعليم اللغة العبرية والثقافة اليهودية سيكونان أداة فعالة في تحقيق الاندماج وصولاً إلى تكوين «شعب واحد»، وأنّ كل جيل جديد سيكون أكثر انسجاماً من سابقه، ولكن ما جرى فعلياً، ونتيجة الطبيعة العنصرية للنظام الصهيوني، هو أنّ التمايزات بين مكونات هذا «المجتمع» قد تعززت وتعمقت جيلاً بعد جيل، إلى الحد الذي يستحق معه النظام الصهيوني بكل جدارة تسمية الأبارتهايد (الفصل العنصري)، ولكنه صيغة أكثر عنصرية من صيغة أبارتهايد جنوب أفريقيا؛ فهو ليس عنصرياً لمصلحة اليهود وضد العرب فقط، بل وتمتد عنصريته بين اليهود أنفسهم الذي يجري تصنيفهم بين أشكناز سفارديين ومزراحيم وإلخ، وضمن كل فئة من هذه الفئات يوجد تسلسل هرمي من «الأفضل» إلى «الأسوأ».

هـ- كل هذه الحسابات "الداخلية" ضمن ما يسمى "المجتمع الإسرائيلي" في كفة، وفي الكفة المقابلة ازدياد عدد السكان العرب سواء في الضفة أو غزة أو أراضي 48، والذي ينظر إليه «الإسرائيليون» بوصفه التهديد الأخطر لوجودهم ولاستمرارهم، لأنّ كل محاولاتهم لتحويل الأرض التي لها شعب إلى «أرض بلا شعب» لا تبوء بالفشل فحسب، بل إنّ تلك الأرض تنبت أهلها بثبات واستمرار، ومن كل مكان، ورغم كل الإجرام الصهيوني.

ثانياً: المشكلة الاقتصادية

ارتباطاً بالحسابات الديمغرافية، تبرز المشكلة الاقتصادية بجوانبها المتعددة، سواء منها تلك المتعلقة بالقدرة على تحقيق تناسب بين النمو السكاني والنمو الاقتصادي، أو المتعلقة بالتفشي المرضي لنمط خاص من البطالة المعنّدة (الحريديم)، أو بازدياد هجرة الكوادر الأعلى تقنياً مع استمرار اضطراب الأوضاع. ناهيك عن أنّ النمو الاقتصادي للكيان كان معتمداً بشكل دائم على المساعدات الغربية وخاصة بالسلاح والتكنولوجيا، إذ طالما شكّل التسليح عائقاً هائلاً أمام الدول الراغبة بالصعود اقتصادياً، فحيث توجد الثروات وإمكانيات الصعود الاقتصادي توجد التهديدات الاستعمارية وتتكثف، ولذا يصبح الصرف على الدفاع والتسليح عبئاً مستمراً ومعيقاً دائماً للتنمية... هذا العائق لم يكن موجوداً في يوم من الأيام بالنسبة لـ«إسرائيل»، فهي تحصل على السلاح والتكنولوجيا من الغرب بالمجان. ولكن استمرار الوضع نفسه بات مهدداً، بل إنّ واشنطن بدأت بسحب أسلحة من مخزوناتها الاستراتيجية التي تضعها في الكيان باتجاه أوكرانيا. وفي الجانب الاقتصادي، من المتوقع أيضاً أن تنخفض المساعدات الغربية للكيان بشكل مضطرد مع تفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية المستمر بلا توقف منذ 2008.

 ثالثاً: الشعب العنيد

محاولات إنهاء مقاومة الشعب الفلسطيني أو الالتفاف عليها عبر اتفاقية أوسلو وغيرها من الاتفاقات مع دول الطوق، ومن ثم محاولات تصفية القضية عبر «اتفاقات أبراهام» وعبر السعي إلى تشكيل «ناتو عربي»، كلها على الإطلاق باءت بالفشل. بل إنّ كل جيل جديد من الشعب الفلسطيني يتفوق على الأجيال السابقة بخبراته وقدراته الإبداعية في المقاومة، حتى إنه يمكن القول إنّ المقاومة الفلسطينية بغنى أساليبها وتنوعها وتداخلها، باتت تشكل مدرسة هي الأعلى والأكثر تقدماً والتي تدمج أساليب حروب العصابات الفيتنامية مع أساليب العمل السياسي والمدني ضد الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وتضيف إليها أساليبها الخاصة غير المسبوقة. هذا كلّه أورث الصهاينة حالة من اليأس الاستراتيجي، خاصة مع تطور أساليب الحرب غير المتكافئة سواء عبر الصواريخ أو المسيرات، الأمر الذي يمكنه أن يحول حياة المستعمر إلى كابوس مستمر.

b79521b6-c105-47e2-890f-d8dd7abc0df6

رابعاً: التوازنات الدولية

تفرض وقائع تغير ميزان القوى الدولي نفسها على «إسرائيل»؛ فدور بلطجي الشرق الأوسط لم يعد ممكناً ولا مستداماً، بأي حال من الأحوال. وحتى العقائد الأساسية القائمة على التفوق التكنولوجي والعسكري وخاصة النووي باتت في نهاياتها مع التطور الذي تشهده كل من إيران والسعودية ومصر، والذي يعد بتحولات جدية خلال عقد إلى عقدين من الزمن.

عودة إلى صفقة الحبوب

وإذاً، فإنّ البحث عن مكان جديد لـ«إسرائيل»، وفي ظل هذه المعطيات وغيرها، ليس بالأمر المستغرب. وينبغي الانتباه إلى أنّ المقصود بـ«إسرائيل الجديدة» هو ذاته المقصود بـ«إسرائيل» القديمة، فكلاهما ليسا «وطناً قومياً لليهود»، بل مشروع استعماري استيطاني يستخدم اليهود ليقيم قاعدة عسكرية متقدمة في منطقة شديد الأهمية بالمعنى الجغرافي-السياسي.

بهذا المعنى، فهل هنالك اليوم أكثر أهمية من الموقع الجغرافي السياسي على البحر الأسود وفي قلب أوروبا، وبين روسيا والناتو؟

الخريطة الافتراضية لـ«إسرائيل الجديدة» تشمل عدة مناطق ومدن مهمة في الجنوب الأوكراني المطل على البحر الأسود: أوديسا، زاباروجيا، ميليتوبول، خيرسون، ودنيبر بتروفسك. حيث تكون أوديسا هي العاصمة الاقتصادية، ودنيبر بتروفسك العاصمة الدينية. وهذه المدن توجد فيها بالأساس أعداد من اليهود الأوكران، وكانت في وقت ما جزءاً من «إمارة خاقانات» اليهودية التي استمرت 400 عام.

أصحاب الفكرة لا يتحدثون عن اقتطاع هذه الخريطة الافتراضية من أوكرانيا بصيغة الاحتلال، بل يتحدثون عن إمكانية استئجارها (لمدة 99 سنة) ليقيموا ضمنها كيبوتسات زراعية عالية التكنولوجيا، بحيث تكون رديفاً لـ«إسرائيل» القديمة، وبديلاً عنها في حال لم يعد من الممكن استمرارها.

إغلاق البحر الأسود في وجه الناتو بعد إنهاء صفقة الحبوب، وحديث الرئيس الروسي عن أوديسا بوصفها «إحدى أجمل المدن الروسية»، وكذا عودة النشاط التدريجي إلى العمل العسكري باتجاه الجنوب الأوكراني، هذا كلّه يسمح بالافتراض بأنّ «مشروع إسرائيل الجديدة» بات مهدداً بشكل جدي. وهذا التطور بحد ذاته، إذا ما قرأناه من وجهة نظر المعركة الكبرى بين روسيا والغرب، هو تطور إيجابي؛ فبعد نشر السلاح النووي في بيلاروسيا وإنهاء صفقة الحبوب، فإنّ فرص نجاح محاولات الغرب عبر الأبواب الخلفية الوصول إلى صفقة مع روسيا توقف التطور الطبيعي للأمور باتجاه ضرب الأحادية الأمريكية، باتت أقل فأقل.

«مشروع إسرائيل الجديدة» في جوهره، هو أحد مفردات عملية «إعادة الإقلاع الكبرى» التي تسعى إليها النخبة المالية الغربية، وتسعى من خلالها إلى تأبيد هيمنتها على البشرية. ولذا فإنّ توجيه ضربة لهذا المشروع ليس بالأمر البسيط، وسيعني بالضرورة أنّ حدة المعركة، وفي الداخل الروسي خاصة، ستزداد. ولكن كما يقال (لا بد مما ليس منه بد)... أي لا بد من أن تستدير روسيا في صراعها مع الإمبريالية الأمريكية ضد الرأسمالية في الداخل الروسي، وإلا فإنّ أي انتصار عسكري يمكنه أن يتبخر بكل بساطة، بل ووجود روسيا نفسها موحدة يتعلق بالضبط بهذه الاستدارة التي لا بد منها... 

 (English version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
000
آخر تعديل على الإثنين, 07 آب/أغسطس 2023 19:00