افتتاحية قاسيون 1134: الحركة الشعبية ستعود عاجلاً أم آجلاً
تسود الشارع السوري حالة من الغليان المصحوب بالترقب الحذر؛ فالوضع المعيشي للناس وصل حدوداً لا تطاق. وفوقها فإنّ عمليات رفع الدعم وانسحاب الدولة من أداء أي دور اجتماعي جارية على قدم وساق، بل وشهدت نقلة جديدة إلى الأمام بعد ما جرى في مجلس الشعب مؤخراً حيث شهدت عمليات الرفع الرسمي للأسعار موجة جديدة شاملة بينما الأجور الهزيلة على حالها.
حالة الاحتقان والغليان العام، والمصحوبة بقناعة باتت عميقة بأنّ السلوك الرسمي يصب بالضبط ضد مصلحة عامة السوريين وفي مصلحة قلة قليلة اقتصادية متنفذة وناهبة، تدفع الأمور دفعاً باتجاه تجدد الحركة الشعبية.
قلناها قبل أكثر من عشر سنوات ونعيد تأكيدها، واهمٌ من يظن أنّ الحركة الشعبية يمكن أن تموت عبر قمعها أو الالتفاف عليها بأي شكل من الأشكال. الحركة الشعبية لا تنتهي إلا بانتهاء الأسباب التي أدت إلى ظهورها، وهي ظاهرة تاريخية يمكنها أن تستمر عقوداً من الزمن. وحتى إنْ انكفأت مؤقتاً، فهذا لا يعني أنها انتهت، بل هي تعيد ترتيب أوراقها وتلملم جراحها استعداداً لجولة جديدة أكثر نضجاً وأكثر وعياً وأكثر تنظيماً.
مع ارتفاع مؤشرات واحتمالات تجدد الحركة الشعبية، يتضامن المتشددون في النظام والمعارضة مرة أخرى في سعي إلى إجهاضها وخنقها في مهدها، ويجري ذلك عبر الأساليب الرئيسية التالية:
- استحداث أصوات «معارضة» مصطنعة هدفها تضليل الناس ومحاولة استكشاف الخريطة المسبقة للحركة الشعبية للتحكم اللاحق بها.
- التحريض على الأعمال المغامرة المتسرعة المتفرقة غير المدروسة، بحيث يسهل التعامل معها قمعياً. وعبر التعامل القمعي معها، تجري محاولة كسر ظهر الحركة قبل أن تقف، أي محاولة «تربية البقية» الذين يفكرون في التحرك السياسي.
- التخويف من أشباح 2011 ومحاولة إيهام الناس بأنّه من الممكن أن تتكرر الأحداث نفسها والآلام نفسها مرة أخرى.
إنّ أول ما ينبغي تثبيته هو أنّ النهر نفسه لا يمكن عبوره مرتين، وأنّ الإمكانات التي لدى قوى الفساد الكبير داخل النظام أو لدى الأنماط من المعارضة المرتبطة بالغرب، هي اليوم أضعف بما لا يقاس مما كانت عليه عام 2011. وأيضاً، فإنّ درجة وعي الناس وحسهم السليم، هي الأخرى أعلى بأضعاف مما كانت عليه عام 2011.
إنّ حماية الحركة الشعبية القادمة يكون بالدرجة الأولى عبر تنظيمها لنفسها، وعبر تنحية المغامرين الفوضويين عن التأثير فيها، وعبر عقلنة شعاراتها ومطالبها بحيث يكون الأساس هو الجانب المطلبي المشترك بين 90% من السوريين. وعبر هذا الجانب المحق والمتفق عليه، تقوم الناس بتنظيم صفوفها بشكل سلمي وفعال عبر نضالات متدرجة ومدروسة، تستخدم أشكالاً إبداعية من العمل بما في ذلك الأشكال المعروفة من النقاش والتجمع والعرائض والإضراب والتظاهر. ولكن اختيار الشكل المناسب والوقت المناسب والمكان المناسب ينبغي أن تقوم به الحركة نفسها، لا أن يتم دفعها نحو أفخاخ منصوبة مسبقاً، كما جرى بالفعل في السابق.
إنّ الظرف الدولي والإقليمي قد نضجا تماماً لإنهاء الأزمة السورية والانتقال نحو سورية جديدة عبر تطبيق القرار 2254، والظرف الداخلي هو الآخر ينضج يوماً وراء الآخر، وينبغي أن تعمل كل القوى الوطنية داخل وخارج جهاز الدولة على حماية الحركة الشعبية القادمة عاجلاً أم آجلاً، وأنْ تساهم في توجيه طاقتها الإيجابية النابعة من صدور شعب مثقل بالتعب والهموم والجراح، نحو بر الأمان...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1134