افتتاحية قاسيون 1118: نحو تكامل بين أستانا والدور العربي

افتتاحية قاسيون 1118: نحو تكامل بين أستانا والدور العربي

أصدرت وزارة الخارجية السعودية يوم 15 من نيسان الجاري، وفي نهاية اجتماع ضم وزراء خارجية مجموعة من الدول العربية في جدة، بياناً ركّز على الشأن الفلسطيني والسوري، ومما جاء فيه حول سورية:

«تم التشاور وتبادل وجهات النظر حول الجهود المبذولة من أجل التوصل إلى حلٍ سياسي للأزمة السورية ينهي كافة تداعياتها، ويحافظ على وحدة سورية، وأمنها واستقرارها، وهويتها العربية، ويُعيدها إلى محيطها العربي، بما يحقق الخير لشعبها الشقيق.
وأكد الوزراء على أهمية مكافحة الإرهاب بكافة أشكاله وتنظيماته، ومكافحة تهريب المخدرات والإتجار بها، وأهمية قيام مؤسسات الدولة بالحفاظ على سيادة سورية على أراضيها، لإنهاء تواجد الميليشيات المسلحة فيها، والتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي السوري.
كما أكد الوزراء على أن الحل السياسي هو الحل الوحيد للأزمة السورية، وأهمية أن يكون هناك دور قيادي عربي في الجهود الرامية لإنهاء الأزمة، ووضع الآليات اللازمة لهذا الدور، وتكثيف التشاور بين الدول العربية بما يكفل نجاح هذه الجهود».

إصدار هذا البيان، وبهذه اللغة، هو تقدمٌ مهمٌ يحمل ضمنه عدداً كبيراً من الرسائل، بما في ذلك ما يتعلق بعودة سورية إلى الجامعة العربية. ولكي تتضح الأمور بشكلٍ أفضل، وبعيداً عن اللعب الإعلامي- السياسي للمتشددين السوريين من الطرفين، فإنّه لا بد من تبيان مجموعة من الأمور:

أولاً: إنّ قرار تعليق عضوية سورية من الجامعة العربية، من الأساس، كان قراراً ضد مصالح سورية وضد مصالح الشعب السوري، فهو قرار جاء بإملاء أمريكي في حينه، وكانت وظيفته رفع درجة تدويل وتعقيد المسألة السورية، ورفع درجة الاستنزاف والتدمير داخل سورية تالياً.

ثانياً: كذلك، فإنّ هذا القرار قد صبّ مباشرة في مصلحة المتشددين من الطرفين، بغض النظر عما قالوه وما يقولونه؛ فتعليق عضوية سورية في الجامعة العربية وتدويل أزمتها، قد عنى بالمعنى العملي ليس تأخير الحل فحسب، بل وأيضاً تأخير عملية التغيير السياسي الحقيقي، ما يعني كتم صوت الشعب السوري، وتعويم المتشددين من كل الأطراف لسنوات وسنوات، ضمن سياسة «المستنقع» الأمريكية، التي باتت معلنة منذ سنوات.

ثالثاً: إنّ كل عمليات التقارب والتسوية والمصالحات التي تجري في منطقتنا مؤخراً، بما فيها التسوية السعودية الإيرانية، وكذا السورية التركية، تجري بالضد من إرادة الأمريكان والصهاينة ورغماً عنهم. والتقارب والتسويات بين سورية والعالم العربي، هي الأخرى ستأخذ الاتجاه نفسه.

رابعاً: يحاول البعض تقديم محصلة الحراك العربي اتجاه سورية بوصفه حراكاً مضاداً لأستانا؛ وليس من الصعب الاستنتاج أن هذه المحاولات تخدم المصالح الأمريكية والصهيونية، وليس خافياً أيضاً أنّ هنالك أطرافاً بعينها قد شرعت فعلاً في محاولة حرف هذا الحراك عن أهدافه الحقيقية، في الوصول إلى استقرار في سورية. مع ذلك، فالمؤكد، هو أنّ المحصلة الإجمالية تسير بالتوازي مع أستانا، وبما يخدم إعادة ترتيب المنطقة ككل، وفقاً لمصالح الشعب السوري ولمصالح الشعوب العربية وشعوب المنطقة، التي تتقاطع جميعها في عدائها للمصالح الصهيونية والأمريكية.

خامساً: إنّ علاقة إيجابية وتكاملية بين مسار أستانا وبين الدور العربي وخاصة عبر السعودية، هو ضرورة لا بديل عنها لتأمين كامل الظروف المطلوبة لحل شاملٍ للأزمة في سورية وفقاً للقرار 2254، وإنْ كانت افتتاحيات عديدة في قاسيون قد تحدثت عن ضرورة تكاملٍ من هذا النوع فيما سبق، فإنّ الجديد هو أنّ هذه الضرورة باتت اليوم إمكانية واقعية.

ما لا شك فيه، هو أنّ إعادة ترتيب شاملة تجري في المنطقة وفي العالم، أساسها هو البحث عن استقرار حقيقي على أنقاض الهيمنة الأمريكية، والاستقرار الحقيقي لن يحصل دون تحقيق رضا الناس، وهذا الأخير لن يتحقق دون تغييرات بنيوية عميقة باتت أقرب وأنضج من أي وقت مضى، ليس من وجهة النظر الداخلية فحسب، بل ومن وجهة نظر التغيرات الكبرى التي تجري في العالم بأسره...

(English version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1118
آخر تعديل على الأحد, 16 نيسان/أبريل 2023 20:29