افتتاحية قاسيون 1105: التفاهم السوري التركي ضرورة وطنية

افتتاحية قاسيون 1105: التفاهم السوري التركي ضرورة وطنية

مع تقدم السّير باتجاه التسوية السورية- التركية، تتقاطع بشكلٍ واضحٍ وفاضحٍ، طروحات المتشددين من الأطراف السورية المعادية لهذا الاتجاه. ولكل طرفٍ بطبيعة الحال، حججه للرفض، وبالأحرى ذرائعه التي يعمل على تسويقها ومحاولة إقناع الناس بها. وأهم هذه الحجج- الذرائع، ثلاثٌ هي:

أولاً: «رفع مستوى اللقاءات، سيشرعن الاحتلال التركي للأرض السورية، ويطيل أمده». لكن منطق الأمور يقول إنّ إنهاء الاحتلال يكون بأحد طريقين، فإما الحرب، وإما التفاوض. حتى أصحاب الطرح المشار إليه لا يقولون بالحرب خياراً، ناهيك عن أنّ الظروف الواقعية لا تسمح بها كأداة لإنهاء الاحتلال التركي، وفوق ذلك لا يريدون المفاوضات والتسويات ويحاولون إعاقتها. المحصلة الواقعية والعملية لطروحاتهم هذه ولسلوكهم، هي إبقاء الأمور على ما هي عليه، أي استمرار الاحتلال وإطالة أمده، بل وأيضاً فتح الباب مجدداً أمام تنفيذ عدوان تركي جديد يجتاح مناطق إضافية من الشمال السوري.

بالمقابل، فإنّ الانخراط الجدي في التسوية هو بابٌ أكيد نحو إنهاء الاحتلال، لأنّ أوراقنا كسوريين في هذه التسوية ليست ضعيفة كما يحاول البعض تصوير الأمر، بل تنبع قوتها ليس من حقنا في أرضنا وفي سيادتنا عليها فحسب، بل وأيضاً من التوازنات الدولية التي تدعم فيها حقنا هذا كل من روسيا وإيران ضمن أستانا ومعهما الدول العربية الأساسية، إضافة إلى أنّ مصلحة تركيا هي الأخرى، وبتشابكها مع مصالح القوى الصاعدة، تقتضي انسحابها الكامل من سورية، بالتوازي مع تحقيق التسوية السياسية للأزمة السورية عبر التنفيذ الكامل لـ2254.

ثانياً: «المستهدف من التسوية السورية- التركية هم الادارة الذاتية والكرد السوريون». قبل كل شيء، فإنّ عدم تحقيق التسوية، وكما أشرنا آنفاً، يعني فتح الباب مجدداً لعملية عسكرية تركية جديدة لن يمنعها الأمريكان إذا توفرت شروط القيام بها، كما لم يمنعوا ما سبقها من عمليات؛ أي فتح الباب نحو مزيد من الخسائر ومن سيل الدماء، وبين الكرد السوريين ضمناً، وعلى وجه الخصوص. بالمقابل، فإنّ التسوية، تعني إنهاء احتمال أيّ عدوان جديد عبر انتشار الجيش السوري على الحدود. وتعني أيضاً البدء بعملية التغيير السياسي الحقيقي التي تمثل المدخل الوحيد لإنفاذ إرادة الشعب السوري بكل مكوناته، وضمناً الاتفاق على شكل إدارة كل المناطق في سورية الموحدة، وإحقاق الحقوق المسلوبة ورفع المظلوميات، ضمن نظامٍ سياسي جديدٍ يقرره السوريون بأنفسهم، ويعتمد صيغةً متطورة للعلاقة بين المركزية واللامركزية لسورية الواحدة الموحدة كلها.

ثالثاً: «التسوية السورية- التركية هي تطبيع مع النظام يشرعنه ويلغي الانتقال السياسي». المنطق الضمني لهذا الطرح هو ذاته الذي استمر متشددون في تكراره طوال أكثر من عشر سنوات، والمستند إلى مقولة «الإسقاط»، حيث «لا حوار مع النظام»، و «لا اعتراف به» وإنما فقط مطالبة برحيله. أصحاب هذا الطرح، يرفضون عملياً كل فكرة الحل السياسي، التي تقوم بجوهرها على طرفين يعترف كل منهما بالآخر، ويتفاوضان على انتقال سياسي يؤدي إلى تغيير النظام تغييراً سلمياً وجذرياً، بعد سنوات من حرب عبثية خربت البلاد. عبر التمسك بفكرة «الإسقاط» بالتوازي مع تمسك الطرف المقابل بفكرة «الحسم»، تم تأخير عملية تغيير النظام كل هذه السنوات. واليوم، يحاول المتشددون تأخيرها لسنوات إضافية عبر هذا الطرح وهذا السلوك الرافض للتسوية السورية- التركية.

ما ينبغي أن يكون واضحاً ومفهوماً، هو أنّ التسوية السورية- التركية، برعاية أستانا، وبدعمٍ من الصين وتفاهمٍ مع دول عربية أساسية، ليس المقصود منها بحالٍ من الأحوال، الحفاظ على النظام القائم، بل على العكس تماماً، المقصود منها هو تغيير النظام سلمياً عبر توافق كل السوريين على أساس القرار 2254 ووفقاً لإرادتهم وللحوار فيما بينهم.

المرحلة التي نعيشها الآن، هي مرحلة تنضيج قاعدة التفاهمات الإقليمية والدولية والمحلية، التي تسمح بتنفيذ 2254 بشكل كامل، وهذه التفاهمات تشمل التسوية السورية- التركية بوصفها أحد أهم المداخل نحو تنفيذ القرار، وتشمل أيضاً تفاهماتٍ تضم أصحاب المصلحة في إنهاء الاستنزاف وإنهاء الأزمة السورية. تشمل قائمة هؤلاء على المستوى الدولي والإقليمي كلاً من ثلاثي أستانا ومعهم الصين ودول عربية أساسية.

المتضرر الأساسي من السير نحو الاستقرار ومن السير بالتسوية السورية- التركية إلى نهاياتها، هو الطرف الأمريكي- «الإسرائيلي»، ومعه بطبيعة الحال المتشددون وتجار الحرب من مختلف الأطراف، والذين باتت الأزمة بالنسبة لهم، أمراً وجودياً لا يمكنهم البقاء في حال انتهائها.

إنّ مصلحة الوطنيين السوريين، مصلحة الغالبية العظمى المنهوبة من السوريين، هي مع الدفع نحو استكمال التسوية السورية- التركية، وصولاً إلى تفاهماتٍ تقوم على احترام حقيقي لسيادة الشعب السوري، والدولة السورية في شتى المجالات، تفاهمات تكون باباً أساسياً نحو استعادة السيادة، ونحو إنفاذ حق الشعب السوري في تقرير مستقبله السياسي بكل مفرداته، عبر التنفيذ الكامل للقرار 2254.

(English version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1105
آخر تعديل على الأحد, 15 كانون2/يناير 2023 19:47