متى سيتم شحن النصرة إلى أوكرانيا؟
سعد صائب سعد صائب

متى سيتم شحن النصرة إلى أوكرانيا؟

كان زعيم تنظيم النصرة أبو محمد الجولاني، من أوائل من عبّروا عن موقفٍ معارضٍ لأي اتجاه نحو تسوية سورية- تركية (راجع: الجولاني ينضم لرافضي تسوية سورية- تركية). وإلى ما قبل أسبوع من الآن، كانت معارضة الجولاني وتنظيمه تتمظهر عبر التصريحات بشكلٍ أساسي، أما خلال الأسبوع الماضي، فيمكن القول: إنّ العمل ضد التسوية قد بدأ بالانتقال إلى عملٍ نشطٍ ملموس...

توتير ميداني

ليس بعيداً عن الذاكرة الحيّة للسوريين، ما كان يجري بالتزامن مع اجتماعات جنيف ومع الاجتماعات المهمة الخاصة بالأزمة السورية، على مستوى مجلس الأمن، أو على مستوى دولٍ مؤثرة في الشأن السوري؛ فقد كانت هذه الاجتماعات كلها تقريباً، وخاصة في الفترة بين 2013 و2018، يجري تعميدها بدماء السوريين... فالأطراف الرافضة للحل السياسي، محلياً ودولياً، كانت تسعى لتعزيز المواقف المتشددة، وتبريرها على عتبة كل اجتماعٍ جديد، وعلى عتبة كل انعطافٍ محتمل، بحيث تمنع أيّ تقدمٍ في العملية السياسية. وهكذا، فقد كان المدنيون السوريون على وجه الخصوص، ومن كل الأطراف بطبيعة الحال، هم الضحية الدائمة قُبيل كل اجتماع جديد، عبر تفجيرٍ هنا وتفجير هناك، وعبر قصفٍ «عشوائي» تارة، وعبر مجازر تارة أخرى.
القدرة على سفك دم السوريين دون حسيب أو رقيب، وعبر تراشق الاتهامات في ساحة حربٍ معقدة، وتشترك فيها أطراف متعددة، تراجعت بشكل ملموس مع تحول وقف إطلاق النار إلى واقع حقيقي أواخر عام 2019 بفضل جهود مسار أستانا.
مع ذلك، بقيت كل من النصرة وفلول داعش، أداتين يجري استخدامهما على نطاقٍ ضيقٍ نسبياً، من حين إلى آخر لأداء الوظيفة السابقة نفسها، وهذا ما تفعلانه هذه الأيام.
ما لا يمكن إلا أن يلفت انتباه من يتابع عن قرب ما يجري من «حوادث» خرقٍ لوقف إطلاق النار، هو أنّ هنالك عملاً إعلامياً كثيفاً موازياً، ربما تُبذل فيه «جهود» أكبر بكثير من تلك التي تبذل في الـ «حوادث» نفسها؛ بكلامٍ أوضح، فإنّ الخرق الذي تقوم به النصرة يجري نسبه في وسائل إعلامٍ عديدة إلى تركيا، وأما الرد الميداني على ذلك الخرق، فهو الآخر غير واضح المعالم والاستهدافات، ناهيك عن أنّ المتشددين من كل الأطراف، إضافة للأطراف «الثالثة»، وفي الحالات المشابهة، قد سجلوا دائماً أنّ «الرد» يضرب بالدرجة الأولى المدنيين. وعلى العموم، يجري استخدام الدم السوري مرة جديدة، لإنفاذ سياسات محددة معادية للسوريين، وفي الحالة الملموسة الراهنة، للحشد ضد تسوية سورية- تركية، شعبياً وسياسياً.

ملف الأجانب

منذ بدأت محاولات «سورنة النصرة» قبل عدة سنوات وحتى الآن، بقي ملف المقاتلين الأجانب في صفوفها أحد أبرز المعوقات أمام الأمريكان الذين يسعون لتبييضها وتحويلها إلى «فاعل سياسي سوري».
اليوم، ومع تعاظم الحاجة إلى دورٍ فاعلٍ للنصرة ضد التسوية السورية- التركية، يجري تسريع كبير لحل هذا الملف العالق، أي ملف المقاتلين الأجانب؛ وذلك عبر إرسالهم للقتال في أوكرانيا، وربما أيضاً نحو جهات أخرى من المرجح أنْ تعلَن فيها «خلافة» جديدة في وقت غير بعيد، خاصة في إفريقيا (ربما في نيجيريا الغنية بالموارد وذات الموقع شديد الأهمية بالمعنى الجغرافي السياسي).
وفي هذا الإطار، فقد تسربت أخبار على نطاق واسع الأسبوع الماضي، عن أنّ النصرة قد سهلت انتقال المدعو عبد الحكيم الشيشاني ومعه 30 من جماعته إلى أوكرانيا، والشيشاني كان قائداً لمجموعة إرهابية تحمل اسم «جماعة القوقاز»، وكانوا معتقلين في سجون النصرة إلى جانب آخرين من خلفيات مشابهة، ضمن حملة تبييض النصرة وتصويرها تنظيماً غير إرهابي... وربما لا غنى عن التذكير بما سبق أن قاله جيمس جيفري المبعوث الأمريكي السابق إلى سورية حول النصرة، لأنّ ما قاله، كان وما يزال، محوراً أساسياً في طريقة تعامل الأمريكان مع النصرة. في حينه (30 كانون الثاني 2020) قال جيفري: «الولايات المتحدة تقرُّ بوجود إرهابيين في إدلب، وهناك مجموعة كبيرة من النصرة وهيئة تحرير الشام، وهي متفرعة من القاعدة، وتعتبر منظمة إرهابية، ولكنها تركِّز بشكل أساس على قتال النظام السوري، وهم يدّعون أنهم مقاتلون وطنيون معارضون وليسوا إرهابيين، ونحن لم نقبل هذا الادعاء بعد، ولكن لم نر أنهم شكلوا تهديداً دولياً منذ فترة». وبعد أن أقيل جيفري من منصبه، صرح بما هو أشد وقاحة، حين أشار إلى أنّ هنالك تنسيقاً جرى بين الأمريكان والنصرة، عدة مرات بما يخص أموراً ميدانية تتعلق بمحاربة الإرهاب!
بالعودة إلى «جماعة القوقاز»، فإنّ الاستعراض الإعلامي الذي يجري الآن حول قيام النصرة بـ«التخلص من الأجانب»، هو استعراض متعدد الأغراض؛ فمن جهة يعزز مقولة «سورنة النصرة»، ومن جهة ثانية فهو يعزز العلاقة الأصيلة بين الأمريكان والغربيين عموماً، وبين النصرة، عبر إسنادها للحرب الغربية «المقدسة» مع روسيا.

«التوسع» السياسي

بالتوازي مع التوتير الميداني، ومع محاولات تلميع صورتها عبر ملف المقاتلين الأجانب، ومع الدعاية الإعلامية السياسية المعادية للتسوية السورية التركية، فإنّ النصرة تسعى إلى «التمدد» سياسياً خارج إدلب، وباتجاه المناطق الأخرى الخاضعة للسيطرة التركية في الشمال الغربي السوري، وخاصة في ريف حلب الشمالي.
ضمن هذا الإطار، يجري الهجوم على الائتلاف «المعارض»، والحق أنّ المستهدف من الهجوم ليس الائتلاف؛ فهذا الأخير لم يعد له أي وزنٍ منذ سنوات. المستهدف من الهجوم فعلياً هو تركيا نفسها، والتسوية السورية- التركية، والحل السياسي و2254 في نهاية المطاف.
وضمن عملية الهجوم هذه، تشترك النصرة سياسياً بشكل واضح، وإنْ من الصف الثاني والثالث، ويجري إسناد الهجوم من «معارضين ليبراليين»، يدعون إلى «نقل مركز المعارضة إلى أوروبا» والحجة هي البحث عن الاستقلالية. والحقيقة، أنّ المطلوب هو بالضبط نقل مركز المعارضة السياسي، أي موقفها من ضفة أستانا إلى ضفة المجموعة المصغرة الغربية.
وإذاً، فالنصرة تحاول أن تمد وجودها سياسياً باتجاه المناطق الأخرى التي تسيطر عليها تركيا، وتعاونها على ذلك مجموعة طروحات تأتي من أطراف في الداخل وفي الخارج، وتتمحور حول ما يلي: للتصدي لتسوية سورية تركية، يجب أن يتم بطريقة ما، توحيد الشمال الشرقي مع الشمال الغربي بدعم غربي وأمريكي بالدرجة الأولى، وضد كل من تركيا والنظام في وقت واحد إنْ اقتضى الأمر، وبالتوازي ينبغي نقل مركز المعارضة نحو أوروبا!
ورغم أنّ الأطروحة هذه هي أقرب للهذيان الهستيري منها إلى التفكير المنطقي، إلا أنّ العمل على ترويجها لا يهدف لتحقيقها، فهي غير قابلة للتحقق، ولكن يهدف إلى استخدامها كأداة في تعقيد الوصول إلى تسوية سورية- تركية، عبر تعقيد الأوضاع في كل من الشمال الشرقي والشمال الغربي السوري.

بالمجمل

النصرة تبذل «جهوداً» كبيرة هذه الأيام على مُختلف الصّعد، وهي لا شك محقة في ذلك؛ فلم يسبق أن كان وجودها مهدداً بقدر ما هو مهدد اليوم... مع المضي بالتسوية السورية التركية قدماً، سيكون إنهاء النصرة عبر حلّها، أو عبر غير ذلك من الطرق، أمراً لا مفر منه... وحينها لن ينقذ الجولاني «جهاد» تنظيمه في أوكرانيا أو في غيرها...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1105
آخر تعديل على الإثنين, 16 كانون2/يناير 2023 10:53