افتتاحية قاسيون 1095: الأزمة السورية بحاجة لدورٍ عربي...

افتتاحية قاسيون 1095: الأزمة السورية بحاجة لدورٍ عربي...

انتهت منذ أيامٍ القمة العربية الحادية والثلاثون في الجزائر، وحمل بيانها الختامي إشاراتٍ مهمةٍ في مجموعة من القضايا الدولية والعربية، ابتداءً من مواصلة موقف الحياد (الإيجابي عملياً) في مسألة أوكرانيا، ومروراً بالعودة إلى المواقف الرسمية المعتادة بما يخص القضية الفلسطينية، والتي يمكن أن يُفهم من عودتها ليس فقط التأثير الجزائري البارز والذي لا شك في أهميته، بل وأيضاً رغبة مجموعة من الدول العربية، بما فيها تلك التي انحدرت إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني مؤخراً، بإبقاء الباب موارباً بحيث تتمكن من الهروب من عواقب التطبيع في عالمٍ يتغير بسرعة ضد المصالح الغربية والصهيونية... ووصولاً إلى ما قالته القمة حول الوضع السوري، والذي يشكّل خطوة جيدة إلى الأمام في التعامل الموضوعي مع الأزمة السورية من باب حلّها سياسياً وعبر القرار 2254، وليس عبر التدخلات الخارجية كما كان الأمر في مواقف سابقة للجامعة، خلال ما يقرب من ثماني سنوات من عمر الأزمة بين 2012 و2019.

ليس خافياً على أحد، أنّ تدويل الأزمة السورية، قد بدأ عملياً عبر بوابة جامعة الدول العربية. ولكنّ الحقيقة التي اتضحت سريعاً، أنّ «تعريب» الأزمة، كان أحد أدوات المركز الغربي لتدويلها والسيطرة عليها والتحكم بمآلاتها. خاصة، حين نتحدث عن وضع الدول العربية والخليجية في تلك المرحلة، أي 2011 والسنوات التي تلتها إلى ما قبل أوكرانيا.

طوال هذه الفترة، كان «الدور العربي» مشتقاً من الدور الأمريكي- الغربي، ولعل أهم شواهد التبعية للأمريكي هو: التحاق بعض الدول العربية بما يسمى المجموعة المصغرة الغربية بقيادة واشنطن، وفي مواجهة مجموعة أستانا بقيادة موسكو، وهو الأمر الذي بات من الممكن إعادة النظر فيه جدياً.
وضمن التبعية للأمريكي، هنالك خصوصية للدورين المسندين غربياً للإمارات والأردن، ليس في العمل لتمرير المشاريع الغربية فحسب، بل والصهيونية خاصة، (وربما ما تسمى حالياً بالمبادرة الأردنية، لا تخرج عن هذا السياق)..

مع التحولات العالمية الجارية والمتسارعة، بدأت تظهر تطورات ملموسة في مواقف عدة دولٍ عربية أساسية، تنحو منحى رفع مستوى الاستقلالية عن الأمريكي، كما هو الأمر مع السعودية وبعض دول الخليج الأخرى، ليس في الوضع الأوكراني فحسب، بل وأيضاً في السياسات المتعلقة بمنظمة (أوبك+) وفي سياسات الطاقة عالمياً وسياسات التسلح، والتي يعتبر المساس بها «كفراً بوّاحاً» بالمقاييس الأمريكية.

وإذا كانت الجامعة العربية قد لعبت دوراً في الدفع نحو التدويل، فإنها ضمن الوضع العالمي المستجد، ومع أدوارٍ قيادية لدول بحجم وأهمية الجزائر، يمكنها أن تتحول إلى أداةٍ في التراجع عن التدويل باتجاه الحل الداخلي للأزمة بيد السوريين ولمصلحتهم، وعلى أساس القرار 2254.

وإذا كانت أستانا قد تمكنت من وضع حدٍ لعملية التخريب الغربي بالأداة العسكرية والإرهابية، فإنّ وضع حدٍ نهائي للتخريب بأبعاده المختلفة وضمناً الاقتصادية، لا يمكن أن يتم دون حلٍ جذري وشاملٍ يتضمن تغييراً عميقاً، وهذا لا يمكن أن يتم دون قدرٍ من التعاون والتفاهم بين أستانا نفسها وبين المحيط العربي لسورية، وهذا ما يبدو أنّ ظروفه قد نضجت بشكل معقول خلال الأشهر الماضية، بما في ذلك جملة التقاربات بين تركيا ودول عربية، وكذلك المشاورات تحت وفوق الطاولة مع إيران بدعمٍ وتحفيزٍ روسي وصيني...

إنّ ما قلناه سابقاً، من أنّ المستجد الأوكراني من شأنه أن يسرّع اقتراب حل الأزمة السورية، لا أن يبطئه، يثبت صحته الآن عبر تقارب أوسع بين ثلاثي أستانا من جهة، وبين عدد مهم من الدول العربية من جهة ثانية، وهذا التقارب بمجمله يشكل أساساً إقليمياً ودولياً، لحلٍ حقيقي للأزمة، بغض النظر اشترك الغرب أم لم يشترك، وبالتأكيد بالضد من مصالح الفاسدين الكبار وتجار الحرب من كافة الأطراف السورية...

(English version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1095
آخر تعديل على الأحد, 06 تشرين2/نوفمبر 2022 21:21