اللاجئون يعودون على الإعلام وفي الواقع التجريف والنزيف مستمران ومتصاعدان!
عاد موضوع اللاجئين السوريين إلى واجهة الحديث خلال الأسبوع الماضي، وهذه المرة من بوابة اللاجئين السوريين في لبنان، والتركيز الإعلامي اللبناني والسوري على عودة أعداد منهم إلى سورية. وكما هو معتاد من المتشددين في الأطراف السورية، تم استغلال هذا الموضوع كأداة للمبارزات الإعلامية، عدا عن محاولة تسييس الملف بطريقة تكرّس الوضع القائم، والذي يستفيد منه متشددو الطرفين في وضع عراقيل إضافية تحول دون إحراز تقدم باتجاه الوصول إلى حل سياسي شامل، والذي يتطلب العمل على توفير الشروط اللازمة ليس للمضي قدماً في الحل السياسي فحسب، بل ولوقف النزيف السوري، والذي يشكل موضوع هجرة السوريين خارج بلادهم أحد تجلياته. ما يعني: أن ملف اللاجئين السوريين اليوم لا يمكن التعامل معه على أنه فقط ملف إنساني أو سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي أو أمني، بل هو كل ذلك، وفوقه فإنه ملف وجودي مرتبط باستمرار البلاد ووحدتها.
ما هو «الجديد» حول ملف اللاجئين السوريين في لبنان؟
قبل حوالي الأسبوعين تَصدّر الإعلام، تصريح للرئيس اللبناني حول عزم بلاده إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، ما أدى إلى موجة إعلامية عارمة، وردود أفعال وتصريحات متباينة وشديدة، بالأخص من قبل بعض الجهات في المعارضة السورية، والإعلام الممثل لداعمي تلك الجهات، قابلتها تصريحات من إعلام النظام، احتفت بالعودة المفترضة للسوريين إلى بلدهم، مدعية تأمين الظروف والتسهيلات المناسبة لعودتهم. ومن المفيد هنا النظر إلى بعض المعلومات المتعلقة بالسوريين في لبنان:
عدد اللاجئين السوريين في لبنان يتراوح حسب المصادر المختلفة بين مليون ومليوني سوري، وذلك لأن الكثير منهم لم يتم تسجيلهم، سواء من قبل السلطات في لبنان، أو من قبل المنظمات المحلية والدولية.
وفق عدة مصادر، تراوح عدد الذين عادوا في اليوم الذي كان من المفترض أنه يوم أساسي في هذه العملية، والذي كان قبل عدة أيام، بين 450 إلى 750 شخصاً، أغلبهم من النساء والأطفال.
معظم الذين عادوا كان يعيشون في مخيمات رسمية وغير رسمية في منطقة عرسال اللبنانية في ظروف متردية، بما في ذلك عدم وجود الخدمات الأساسية، مثل: المياه النظيفة والصرف الصحي، وشبه انعدام الخدمات الصحية والتعليمية، ناهيك عن أن كل هذا يأتي ونحن على مشارف فصل الشتاء، والذي يعني هطول كميات كبيرة من المطر والثلج ودرجات الحرارة المنخفضة، في ظل انعدام توفر وسائل التدفئة والوقود، وحتى الملابس المناسبة لمواجهة مثل هذه الظروف.
هناك ستة معابر برية رسمية بين سورية ولبنان، وحركة التنقل في يومٍ واحد من لبنان إلى سورية تتجاوز بقدرٍ كبير الرقم المعلن للعائدين، ومن الجدير بالذكر هنا، أن المعبر السادس تم إنشاؤه وفتحه في وقت سابق من هذا العام لتخفيف الضغط عن المعابر الأخرى.
ما هو واضح على الأقل، على أساس ما ورد، أن التهويل الإعلامي حول الموضوع- سواء لبنانياً أو سورياً أو حتى دولياً من قبل بعض الدول أو المنظمات الدولية- فاق بكثير حجم الحدث نفسه، وليس من الصعب الاستنتاج بأنّ تعامل هذه الجهات كلها مع الموضوع ما يزال مندرجاً في إطار الاستثمار الإعلامي السياسي، أكثر بكثيرٍ من كونه اقتراباً من حلٍ حقيقي له.
مسألة عودة اللاجئين السوريين عموماً
ما حصل الأسبوع الماضي في لبنان حول موضوع عودة اللاجئين السوريين لا جديد فيه فيما يتعلق بهذا الملف، حيث إنه موضوع متكرر مع تفاوت بعض التفاصيل، ليس فقط ضمن سياق اللاجئين السوريين في لبنان، ولكن في دول الجوار، وحتى في الدول الأبعد التي يوجد فيها لاجئون سوريون. ويمكن العودة بسهولة إلى العديد من المرات التي سلط الإعلام الضوء فيها على الموضوع بشكل مشابه، بالأخص فيما يتعلق باللاجئين في دول الجوار وموضوع إعادتهم/عودتهم.
إذا نظرنا إلى مسألة عودة اللاجئين، وتحديداً أولئك المتواجدين في لبنان والأردن وتركيا، يمكن تحديد بعض الجوانب والسمات المشتركة:
غالبية، إن لم يكن جميع من عادوا، كانوا من الذين أوضاعهم هي الأشد سوءاً، وهم من الذين يقيمون في دول اللجوء في مخيمات رسمية أو غير رسمية، في ظروف لا تؤمن الحد الأدنى من المستوى المعيشي من حيث المأوى والخدمات.
غالبية هؤلاء لم يكونوا مستقرين في الدول التي لجأوا إليها، عدا عن أنهم كانوا يقيمون في مخيمات، إلا أنهم تحركوا حتى ضمن الدول التي كانوا فيها بحثاً عن شيء من الأمان، أو ظروف أقل سوءاً للاستمرار بالحياة.
معظم أولئك الذين يعودون إلى المناطق السورية المختلفة، لا يعودون إلى مناطق سكناهم الأصلية، أو على الأقل لا يعودون إلى بيوتهم، والكثير منهم يعود أيضاً إلى مخيمات للنازحين في الداخل، والتي هي أيضاً تفتقر إلى الحد الأدنى من الخدمات، إلا أنها نسبياً أقل سوءاً من الوضع الذي وصلوا إليه في المناطق التي عادوا منها.
تترافق موجات «العودة» هذه، أو على الأقل موجات التهويل الإعلامي مع بعض التطورات الاقتصادية و/ أو السياسية في دول اللجوء، مثل: تدهور الأوضاع الاقتصادية التي تكون تداعياتها مضاعفة على اللاجئين، أو أوضاع سياسية داخلية متعلقة بدول اللجوء، يتم فيها استخدام ملف اللاجئين السوريين كورقة في الحملات الانتخابية بين الجهات السياسية في هذه الدول، أو حتى في ملفات سياسية خارجية لهذه الدول.
لذلك، عادة ما تكون موجات «العودة» هذه غير متعلقة بتوفير الشروط الحقيقة اللازمة للعودة الطوعية والكريمة إلى سورية– بغض النظر إلى أي من المناطق السورية– بقدر ما أن ظروفهم في أماكن تواجدهم في دول اللجوء باتت أكثر سوءاً اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، إلى ذلك الحد أنهم يشعرون أن هذه الظروف ستكون أقل وطأة عليهم داخل سورية، أو على الأقل يمكن أن تعطيهم مجالاً للبحث عن قدر من الأمان في جانب من جوانب الحياة.
الأسئلة التي يجب طرحها
ضمن هذه المعطيات، وفي ظل استمرار السوريين في الخروج، أو محاولة الخروج من البلد، هل يمكن فعلاً الحديث بشكل حقيقي وجدي عن عودة اللاجئين؟ وعن أية عودة يمكن الحديث وعملية تجريف السوريين مستمرة؟ وكيف يمكن الحديث اليوم عن عودة للاجئين وقصص قوارب الموت التي تحمل سوريين هاربين من الموت في رحلات- المصير الأكثر احتمالاً لها هو الغرق والموت- ما تزال مستمرة؟
من المفيد هنا العودة إلى الأسباب التي ما زالت تدفع أعداداً هائلة من السوريين إلى الخروج من البلد، وأكثر بكثير من بضع مئات من العائدين؛ وكنا قد تطرقنا إلى هذه الأسباب وتجلياتها ونتائجها في الكثير من مواد قاسيون السابقة. ومن أهم الأسباب التي تدفع الكثير من السوريين- وبالأخص من الكفاءات والشباب- إلى الهجرة، هي الظروف المعيشية الكارثية والاقتصاد المنهار– أو ما تبقى منه– وما يرافقه من غلاء فاحش، يجعل تأمين الحد الأدنى من متطلبات الحياة- من خبز ومحروقات وخدمات مثل الكهرباء والماء والتنقل- أمراً شديد الصعوبة، واستمرار كل ما يقف وراءه من حصار وعقوبات وفساد، وسياسات ليبرالية متوحشة، وتسلّط أمراء وتجار الحرب. إضافة إلى ذلك فإن استمرار تردّي الأوضاع الأمنية وهيمنة السلاح والميلشيات، وتحكمها بالحياة اليومية، يدفع بالمزيد من الناس خارج حدود البلاد.
يجب أخذ كل هذا بعين الاعتبار عند الكلام عن أية عودة للاجئين وبالأخص لأن كل هذه العوامل ليست مستمرة فحسب، بل إنها تزداد سوءاً وبشكلٍ متسارعٍ، وفي كل أنحاء البلاد.
خطابات متعارضة والهدف واحد
بينما يتم التركيز اليوم على موضوع «عودة» اللاجئين السوريين من لبنان، ولكن كما في كل فرصة تسنح لهم، يستغل المتشددون في الأطراف السورية الفرصة لاستخدامه كأداة في مبارزاتهم الإعلامية- سواء كانت موجهة بشكل مباشر أو غير مباشر- باتجاه الطرف الآخر، ولكن في المحصلة النتيجة هي ذاتها، وتصب في الهدف نفسه، وهو استمرار عرقلة إحراز أي تقدم في العملية السياسية، والوصول إلى حل سياسي يخرج سورية والشعب السوري من الكارثة التي يعيشها، لأن ذلك يعني بالضرورة: انتهاء قدرة أولئك على الاستفادة وتحصيل المكتسبات وتحقيق مصالحهم الضيقة والشخصية من استمرار الأزمة.
كما أسلفنا سابقاً، وكلما تم تداول موضوع اللجوء ومواضيع أخرى وبالأخص ذات الطابع الإنساني، يقوم المتشددون في النظام والمعارضة بتسييس الملف، ومحاولة زجه ضمن السرديات التي يحتفظون بها منذ بداية الأزمة، وبطريقة تهدف إلى الدفع بعيداً عن الحل السياسي’ ووقف أية محاولات للتغيير.
من جهة متشددي النظام، يتم استخدام قصة كتلك المتعلقة بعودة اللاجئين من لبنان للترويج بأن باب العودة مفتوح، وأن النظام يقوم بتأمين الشروط اللازمة للعودة، في إشارة ضمنية إلى أنّ «الأزمة انتهت» وأنّ الحل السياسي من أساسه ليس له أي داعٍ... بينما في حقيقة الأمر، وكما ذكرنا أعلاه، فإن سياسات متشددي النظام اليوم لا تتمحور فقط حول عدم تأمين الظروف المناسبة لعودة حقيقية للاجئين السوريين من لبنان أو غيرها، بل إنها تدفع المزيد من السوريين المتبقين في الداخل إلى محاولة البحث عن أية طريقة ليخرجوا من البلد، وإن كانت نسبة وصولهم إلى أي من الوجهات المقصودة منخفضة جداً، وفرص الموت في طريقهم عالية. بالرغم من ذلك فإن المتشددين في النظام لا يدخرون أية فرصة للترويج بأن الأزمة انتهت، والوضع في البلد على ما يرام– وها هم اللاجئون يعودون– ولذلك وبما أن اللاجئين يعودون دون أي تغيير حقيقي، لا يوجد أي مبرر للانخراط في العملية السياسية، ولم تعد هناك حاجة للحل السياسي.
على الضفة الأخرى، يُصر متشددو المعارضة على ربط عودة اللاجئين، والطريقة الوحيدة لتأمين الظروف اللازمة لعودة اللاجئين بسقوط النظام، الأمر الذي يتعارض في أساسه مع فكرة الحل السياسي. بل إنهم، كما الطرف الآخر، يتعاملون مع الموضوع بطريقة تهدف إلى تكريس الوضع القائم، حيث يروجون للظروف في «مناطق المعارضة» على أنها أفضل من مناطق النظام، ومناسبة لاستقبال اللاجئين الراغبين بالعودة. بكلام آخر فهم، كما متشددو النظام، يهدفون إلى استمرار الوضع على حاله ما داموا مستفيدين منه.
الأهم من ذلك، أن مقاربة متشددي النظام والمعارضة لملف اللاجئين وملفات أخرى تصب في ذات الأهداف، والتي بالضرورة تتطلب تعميق وتثبيت الوضع القائم، بل وشرعنته، بما في ذلك تقسيم الأمر الواقع في سورية، والذي يتطلب استخدام كافة السبل والوسائل المتاحة لهم لعرقلة العملية السياسية، والوصول إلى حل سياسي شامل عبر التطبيق الكامل للقرار 2254، والذي يعني تحقيق عدد من الأمور، أهمها في سياق الموضوع هنا: هو تحقيق الحد الأدنى اللازم من الأمان الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والأمني لإيقاف هجرة السوريين من كل مناطق سورية إلى الخارج، وتأمين الظروف الملائمة لعودة حقيقية للاجئين بدءاً من دول الجوار. كل هذا يعني أنه مع مرور كل يوم ترتفع الحاجة للدفع من كل الوطنيين السوريين من كافة الأطراف باتجاه الحل السياسي الشامل، ليس لتأمين الظروف المناسبة لعودة السوريين إلى بلادهم فحسب، بل لضمان وقف تجريفهم خارج بلادهم، ولإعادة توحيد البلاد واستمرارها، لتكون هناك ظروف، ومكان يستطيع السوريون العودة إليه.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1094