افتتاحية قاسيون 1086: لماذا نصرّ على تنفيذ 2254  بسرعة؟

افتتاحية قاسيون 1086: لماذا نصرّ على تنفيذ 2254 بسرعة؟

تكشف الكوارث اليومية المريرة في سورية، أنّ مزاعم «الانتصارات» التي تطلقها الأطراف السياسية المختلفة، ليست في حقيقتها سوى انفصامٍ كاملٍ عن الواقع؛ فمع كلّ يومٍ إضافي من عمر الأزمة، يتعمّق تردي أوضاع الناس المعيشية بمختلف جوانبها بطريقة متوحشة، ويزداد إحباط السوريين ويأسهم. وبدوره، يدفع ذلك إلى تصاعد عملية تجريف السوريين خارج بلادهم، وتتحول حالة الانعزال الجغرافي إلى أمرٍ واقعٍ، ليس فقط بحكم توزع مناطق السيطرة السياسية، بل وأشد خطورةً من ذلك، بسبب تآكل دوائر الإنتاج والتوزيع والتبادل والاستهلاك وتضيّقها، بما يبقي احتمالات التقسيم موجودةً ويرفع خطرها.

الانهيار الكامل لأيّ معنى وراء مقولات «الحسم» و«الإسقاط»، يعيد التأكيد على أنّه ليس هنالك من مخرجٍ على الإطلاق سوى عبر الحل السياسي المتمثل تحديداً بالتطبيق الكامل للقرار 2254؛ فجوهر هذا القرار يعني تمكين السوريين، وعبر الحوار، من بناء نظامٍ جديد، ومن بناء طريقة جديدة في آليات اتخاذ القرار بما يخدم مصالح السوريين حقاً وفعلاً، وعلى العكس من الآليات القائمة حالياً، والتي لم توفر وسيلة لتثبت فشلها وعجزها عن تقديم أيّ شيءٍ للسوريين، بل وعجزها حتى عن إيقاف حالة التدهور العاصف الذي يعيشونه وتعيشه بلادهم.

إنّ آلية تنفيذ 2254 تمر بالضرورة عبر التفاوض المباشر، وصولاً إلى بدء مرحلة انتقالية تنتج دستوراً جديداً وتنتهي بانتخابات على كل المستويات. وهذه الخطوات جميعها هي نقطة البدء فحسب، ضمن عملية تغيير جذري شاملٍ ومستحقٍ، بمختلف الأبعاد، ولكنها مع ذلك، ستبدأ بإظهار نتائجها منذ اللحظة الأولى لانطلاقها؛ فبدء الحل السياسي يعني كسر الحصار الاقتصادي وكسر العقوبات عبر علاقة حقيقية مع الدول الصاعدة، ويعني تحقيق الشرط الذي لابد منه لإخراج كل القوى الأجنبية من سورية، وعلى رأسها الأمريكي والصهيوني، ويعني إنهاء الانقسام العمودي بين السوريين، وفتح الباب لترميم جراح الهوية عبر تجميع السوريين على أساس مصالحهم الحقيقية وليس على أساس مصالح واصطفافات تجار الحرب والفاسدين الكبار، الذين يمعنون يومياً في قسم وتفرقة الشعب السوري تحت مختلف العناوين الطائفية والقومية وغيرها، ولحساباتهم الأنانية.

وإذا كان الفاسدون الكبار والمتشددون من مختلف الأطراف السورية قد تمكنوا حتى الآن من منع الحل، ومن منع إيقاف التدهور عبر عدائهم المعلن والمخفي للقرار 2254 وللحوار على العموم، فإنّ مردّ ذلك ليس لقوتهم الذاتية فحسب، بل وأيضاً للظرف الدولي والإقليمي الذي استثمروه إلى أقصى الحدود عبر اللعب بين المحاور المختلفة.

وإضافة إلى أنّ الوقت لم يعد يسمح بمثل هذه الألعاب التي باتت تشكل خيانة مباشرة لسورية والسوريين، فإنّ الواقع الدولي الجديد يضيّق مع كل يومٍ جديدٍ هوامش اللعب، وهوامش القفز على الحبال. وكذلك فإنّ الوطنيين السوريين الموجودين في كل الأطراف، والذين يواصلون مقاومة عمليات التخريب بكل أنواعها، قادرون ضمن الظرف الجديد، ورغم حالة الإحباط واليأس التي يجري تغذيتها بشكل متواصل، أنْ يجمعوا جهودهم وقدراتهم لتحمّل مسؤولية النهوض بالبلاد مجدداً، وتوحيدها مجدداً، أرضاً وشعباً، وعبر الطريق الذي لا طريق غيره: التنفيذ الكامل والسريع للقرار 2254.

(English version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1086
آخر تعديل على الأحد, 04 أيلول/سبتمبر 2022 20:28