«تطبيق 2254 والتفاهم بين السوريين، هو الأداة الأمضى في طرد الأمريكان»
استضافت قناة الميادين يوم الأربعاء الماضي 31 آب، الرفيق مهند دليقان، أمين مجلس حزب الإرادة الشعبية في برنامج لعبة الأمم، لنقاش التصعيد الجاري في التنف والشمال الشرقي السوري. وفيما يلي، تنشر قاسيون قسماً من مداخلة دليقان:
جو دولي- إقليمي جديد
أعتقد أنّ التصعيد العسكري ضد الأمريكان الذي جرى مؤخراً هو بالتأكيد مهم، ولكنه ليس بقدر أهمية التصعيد السياسي الذي يجري بالاتجاه نفسه؛ الكلام التركي المستجد هو ليس مبادرة منفردة تركية، بل هو ضمن عملية منسقة ومنظمة ضمن ثلاثي أستانا. يمكن الإشارة لذلك على الأقل عبر التذكير بأن وزير الخارجية الإيراني في تموز الماضي خلال زيارته إلى دمشق تحدث عن أن إيران تعمل على حل «سوء الفهم» بين تركيا وسورية من خلال الحوار، واستخدام هذا التعبير «سوء الفهم»، ليس مصادفة، بمعنى أنه هنالك إمكانية لحل هذا القضية.
كذلك الأمر في المؤتمر الصحفي الأخير لوزيري الخارجية السوري والروسي في موسكو، وزير الخارجية الروسي قال: إنّ روسيا تعمل على تسوية العلاقات بين تركيا وسورية منذ سنوات. كانت هذه هي المرة الأولى التي يعلن فيها ذلك، ولكن لم يكن من الصعب على أي متابع أن يتكهن بأن هنالك محاولات روسية تحت الطاولة بهذا الاتجاه.
إذاً هنالك فعلياً جو إقليمي- دولي جديد يتكون، لقراءته بشكل أفضل يمكن أيضاً الرجوع للتصريحات الخاصة بقمة طهران الأخيرة للثلاثي وما تلاها. ليس غريباً حديث الروس عن الوجود غير الشرعي كما يسمونه للاحتلال الأمريكي في سورية، ليس غريباً الحديث الإيراني، ولكن الغريب هو الحديث التركي. الأتراك مؤخراً بمن فيهم الرئيس التركي صرح، أو طالب بخروج القوات الأمريكية من سورية، هذا الكلام كله يؤشر إلى أنه هنالك فعلياً تجهيز وتحضير سياسي لعملية طرد الأمريكان من سورية، وقد يكون هذا النوع من المناوشات العسكرية جزءاً منه، ولكن علينا أن ننتبه إلى أنّ طرد الأمريكان من سورية هو عملية متكاملة تحتاج إلى مجموعة من الجوانب، بينها العسكري بلا شك، ولكن أيضاً السياسي والاقتصادي والثقافي وما إلى هنالك.
الوزن النسبي لهذه العناصر، أيها الأكثر وزناً، أيها الأولوية وأيها الأهم، هذا ما يحدده الظرف الملموس. والظرف الملموس هو أنه من غير الممكن الذهاب لمواجهة مباشرة بالمعنى العسكري، بالمعنى الدولي، لأن هذا سيشكل خطورة كبيرة، ولأن الأمريكان يدفعون بشكل أو بآخر نحو التصعيد، سواء في أوكرانيا أو تايوان أو أي مكان آخر من العالم للوصول لشكل من أشكال الصدام المباشر، على مبدأ ما جرى في حرب العالمية الثانية. في حينه كان شعار القوى التقدمية ما قبل الحرب: «فلنسقط مشعلي الحروب»، ولم يتمكنوا من إسقاط مشعلي الحرب إلا بالحرب نفسها، اليوم أمامنا فرصة تاريخية لإسقاط مشعلي الحروب قبل أن يخوضوا الحروب الكبرى، صحيح أنه هنالك حروب ومناوشات في كل مكان الآن، ولكن ليس حروب كبرى.
مهمة الأمريكان في سورية
حول ما هي مهمة القوات الأمريكية في سورية، وكي لا نتكهن وكي لا نحلل، يمكننا أن نأخذ كلام الأمريكان أنفسهم حول هذا الموضوع، وأعتقد أنه ليس هنالك أهم من كلام المبعوث الخاص الأمريكي السابق إلى سورية حول هذا الموضوع جيمس جيفري، والذي قال صراحةً: إن مهمة القوات الأمريكية في سورية هي تحويل سورية إلى مستنقع لروسيا. وهذا كلام واضح ويمكن الرجوع له وكرره أكثر من مرة.
وأما بالنسبة لداعش ودور الأمريكان في محاربة داعش يمكن أيضاً الرجوع للتسريب الشهير لوزير الخارجية الأسبق في عهد أوباما، كيري، التسريب أصبح مشهوراً، وفيه قال: كنا نراقب نمو داعش وكنا نأمل بأن نستفيد منها ولكن بدخول الروس تغيرت المعادلة.
بمعنى أن الغايات التي تعلنها أمريكا بما يخص المهام في سورية هي ليست صحيحة، الغايات من وجودهم في سورية والمنطقة تتلخص في أنهم حين كانوا قوة صاعدة كان وجودهم هو لإنفاذ مشاريعهم، الآن وهم قوة متراجعة وجودهم الغرض منه هو منع تحقيق مشاريع الآخرين.
لا أعتقد أن هنالك مخططات لتقسيم سورية، ليس لأن الأمريكان والصهاينة ليست لديهم رغبة بتقسيم سورية، ولكن لأنهم واقعيون ويعلمون أن توازن القوى بالمعنى الدولي والإقليمي اليوم لا يسمح بالوصول إلى تقسيم لسورية، ولكن المطلوب فعلياً هو تعطيل مشاريع الآخرين. تعطيل مشاريع الآخرين يعني منع ذهاب سورية لاستقرار حقيقي، منع توحيد سورية كاملةً ليس فقط أرضاً وإنما أرضاً وشعباً.
الأداة السياسية والاقتصادية
توجد مجموعة من الأدوات لطرد القوات الأمريكية من سورية بينها السياسي وبينها العسكري وبينها الاقتصادي. الوزن النسبي الأعلى اليوم هو للأداة السياسية وليس للأداة العسكرية، هذا لا يقلل من أهمية الأداة العسكرية ولكن يضعها في موضعها الحقيقي مقارنةً بالأداة السياسية والاقتصادية.
ما المقصود بالأداة السياسية والاقتصادية بطرد الأمريكان من سورية؟ إذا بدأنا بالاقتصادية، الأمريكان اليوم ليسوا موجودين فقط في الشمال الشرقي، الأمريكان موجودون اليوم في البنك المركزي السوري، وموجودون في كل بقاع سورية من خلال الدولار، ومن خلال طبيعة الاقتصاد المدار في سورية ومن خلال تنفيذ توصيات صندوق النقد والبنك الدولي؛ الدول في الأزمات تزيد الدعم وتوزع المواد بالبونات، ولدينا في سورية يجري العكس، يجري رفع الدعم، ويجري استمرار ربط الاقتصاد السوري بالاقتصادات الغربية، ولا يجري الانتقال فعلياً باتجاه الشرق، لأنه هنالك نفوذ كبير لتجار الحرب وللفاسدين الكبار الذين هم من يديرون المسألة الاقتصادية في الداخل السوري. إذاً نحن بحاجة إلى التحرر من الأمريكان ليس فقط عبر الأداة العسكرية، وإنما أيضاً بالأداة الاقتصادية.
بالنسبة للجانب السياسي، نحن بحاجة للتحرر من الأمريكان من خلال إعادة توحيد الشعب السوري. إعادة توحيد الشعب السوري لا يمكن أن تتم بالسحق والمحق والحسم، هذا غير ممكن؛ إعادة توحيد الشعب السوري تعني تحقيق ما يريده الشعب السوري، وما يريده الشعب السوري هو الذهاب إلى وضع جديد، إلى نظام جديد، من خلال تغيير حقيقي يتم بالتوافق، وعلى أساس القرارات الدولية، والحوار بين النظام والمعارضة عبر التطبيق الكامل للقرار 2254، بذلك يمكن الدفع جدياً باتجاه طرد الأمريكان من سورية.
الحوار والتفاهم هو المخرج
المطابقة بين الأمريكان وقسد/ مسد، والقول: إن هؤلاء دروع لأولئك هو ما يريده الأمريكان لتصعيب خروجهم من سورية؛ يريدون أن يضعوا أمامهم دريئة. ولكن الوقائع والحقائق على الأقل خلال السنوات الثلاث أو الأربع الماضية من حوار متقطع بين قسد- مسد، والنظام السوري في دمشق، أكدت أنه يمكن الوصول إلى نتائج. هؤلاء في النهاية هم سوريون، وبالتالي يمكن التفاهم معهم، والوقائع أثبتت أنه يمكن التفاهم معهم لأن الحوارات الطويلة التي أجريت خلال السنوات الماضية وصلت إلى نتائج، اليوم هناك نتائج حقيقية في إطار تبادل النفط والقمح وغيره، وهنالك انتشار للجيش السوري في أماكن محددة تم التوافق عليها، وهنالك انتشار للقوات الروسية في أماكن لم يكونوا موجودين فيها؛ نتحدث كل هذا الحديث عن شرق الفرات، وبالتالي أرى أن محاولة المطابقة بشكل نهائي بين قسد- مسد- الأمريكان، تصب في مصالح الأمريكان، وليس في مصالح السوريين. قسد ومسد عليهم أن يبتعدوا عن الأمريكان هذا صحيح، ونحن نطلب منهم ذلك بشكل مستمر، ولكن على الأطراف الأخرى من السوريين أن تسعى للتفاهم مع هؤلاء السوريين من خلال تقديم تنازلات متبادلة للوصول لأرض وسط، يمكن على أساسها طرد الأمريكان فعلياً، وحل الأزمة فعلياً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1086