افتتاحية قاسيون 1079: قمة أستانا إلى الأمام سر!

افتتاحية قاسيون 1079: قمة أستانا إلى الأمام سر!

منذ انفجرت الأزمة السورية عام 2011، قلنا بالحوار وبالحل السياسي مخرجاً وحيداً منها. احتاج الأمر عاماً ونصف ليصدر بيان جنيف حزيران 2012 الذي يقر مبدأ الحل السياسي، ولكن المعارك على الأرض استمرت وتصاعدت. ومن ثم مضت سنوات أخرى حتى تم إقرار 2254 نهاية عام 2015 والذي وضع خريطة الحل، وشكّل منعطفاً هاماً ليس على المستوى السوري فحسب، بل وعلى المستوى الدولي كمؤشر على بداية الدخول العملي في مرحلة التوازن الدولي الجديد، ورغم ذلك فإنّ إنهاء العمليات العسكرية لم ينجح دون إنشاء إطارٍ دولي- إقليمي جديدٍ نوعياً هو مسار أستانا الذي نشأ نهايات 2016، ولم يتمكن من إنهاء الصراع بشكله العسكري حتى أواسط 2019.

 

منذ حينه وحتى اللحظة، تم وضع الحل السياسي والقرار 2254 في غرفة الإنعاش، تحت مسمى اللجنة الدستورية؛ ذلك أنّ الغرب الذي وافق نفاقاً على كل من بيان جنيف و2254، عمل على الأرض طوال الوقت بشكل معاكسٍ لمقتضاهما شأنه في ذلك شأن عمله على اتفاقات مينسك؛ أي أنه عمل على كسب الوقت ضمن عملية تدمير شاملٍ لسورية، عسكرياً في الطور الأول، ثم اقتصادياً في الطور الثاني، وصولاً إلى تجريف السوريين من أرضهم وإيصالهم إلى حافة الهلاك شعباً وبلداً.

بالتوازي، فإنّ إسهام المتشددين وتجار الحرب المتسلطين والفاسدين الكبار من الأطراف السورية، لم يكن أقل كارثية وتدميراً من الإسهام الغربي، بل إنه جاء فعلياً امتداداً لذلك الدور وذراعاً له، ابتداءً من رفض الحل السياسي تحت شعارات «الحسم» و«الإسقاط»، ووصولاً إلى القبول اللفظي به تزامناً مع تخريبه عملياً.

نشوء اللجنة الدستورية ابتداءً من اجتماع سوتشي، لم يكن الغرض منه أن يحل بديلاً لـ2254، بل أنْ يبقي هذا الأخير على قيد الحياة ريثما يتوفر ظرف دولي وإقليمي يسمح بتجاوز التعطيل الغربي؛ فجوهر 2254 كان وما يزال متمثلاً بثلاثة عناصر: أولها: هو المرحلة الانتقالية وضمناً الجسم الانتقالي. وثانيها: الدستور. وثالثها: الانتخابات. ورغم أنّ الدستورية لم تكن يوماً هي الحل، إلا أنها كان يمكن أن تؤدي وظيفة أكبر من مجرد الحفاظ على الحل السياسي على قيد الحياة لو توفرت الإرادة السياسية لدى الأطراف السورية؛ ولعل أحد أبرز مؤشرات غياب تلك الإرادة، ليس فقط إبعاد منصة موسكو من مجموعة الصياغة المصغرة، بل وأهم من ذلك محاولة إبعاد رأيها الذي قال: إنّ اللجنة تحتاج إلى ثلاثة تعديلات أساسية، التركيبة بحيث تضم المبعدين، مكان الانعقاد نحو دمشق مع وجود الضمانات اللازمة، علنية الاجتماعات وبثها بشكل مباشر أمام السوريين... كان من شأن هذه التعديلات أنْ تحوّل اللجنة إلى مفتاح حقيقي للحل.

بعد ثمانية اجتماعات للجنة تمت خلالها مناقشة جنس الملائكة أكثر مما نوقش في بيزنطة، وبعد إلغاء اجتماعها التاسع، بات واضحاً أنّ اللجنة بشكلها وتركيبتها وطريقة عملها الحالية، قد وصلت إلى نهايتها المنطقية.


البعض قد يسرّه ذلك، متوهماً أنّ هذا يعني أنّ الحل السياسي نفسه سينتهي معها، ولكن نظرة كهذه هي قصر نظر وضيق أفق مطلق. حقيقة الأمر هي أنه، وكما قلنا مع ابتداء الأزمة الأوكرانية، فإنّ الحل السياسي سيجري تعجيله وتسريعه، وليس تأجيله أو قتله؛ فالتوازن الدولي الذي منع الحل، هو بالذات ما يجري تغييره اليوم، وما جرى تغييره بالفعل، إلى حد كبير. وكما كان عنوان افتتاحية قاسيون قبل أسبوعين، فإنه: «جاء دور مجموعة أستانا»، والتي سيعقد رؤساء دولها الثلاث يوم الثلاثاء القادم قمتهم في طهران، وسيكونون مطالبين فيها بأخذ زمام المبادرة في تنفيذ 2254 بشكل علني، سواء وافق الغرب أم رفض؛ فالظرف الدولي بات ناضجاً تماماً وخاصة بعد الفشل الأمريكي- الصهيوني الذي عبرت عنه زيارة بايدن الأخيرة...

(English version)

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
1079
آخر تعديل على الإثنين, 25 تموز/يوليو 2022 00:43