افتتاحية قاسيون 1064: كييف- دمشق تأخير أم تسريع؟
منذ بدأ الحدث الأوكراني، سارع متشددو الطرفين السوريين، للبحث ضمن هذا الحدث عما يدعم شعاراتهما السابقة في «الحسم» و«الإسقاط»، وهذا السلوك– عدا عن انفصاله عن الواقع- فإنه يمثل تعامياً عن ثلاثة إحداثيات كارثية للواقع السوري لا تنفك تزداد عمقاً وإيلاماً...
الأول: هو تقسيم الأمر الواقع الذي لا يزال قائماً، ولا يغيب عن أي عاقل أنّ كل يوم إضافي في بقائه، (أي كل يومٍ إضافي في تأخير الحل الشامل)، هو تهديد إضافي وأعباء إضافية على مستقبل سورية والشعب السوري.
الثاني: هو تجريف سورية من أهلها، والذي لا يزال جارياً على قدم وساق، والذي يتسارع عملياً بحكم الأوضاع الاقتصادية الكارثية حتى وإنْ لم يكن محط اهتمام الإعلام هذه الأيام.
الثالث: هو الأوضاع الاقتصادية الكارثية التي كرستها كل من العقوبات والفساد الكبير خلال السنوات الماضية، وفوقها الآن الأزمة العالمية الشاملة في أسعار الغذاء والطاقة، والتي تفتح الباب أمام أوضاع أشد مأساوية تصل حدود المجاعة وتتجاوزها، وذلك في ظل استمرار السياسات نفسها، أي السياسات الليبرالية التي تطبق حتى اللحظة توصيات صندوق النقد والبنك الدوليين، وخاصة في مجال رفع الدعم، وذلك بغض النظر عن نوعية الشعارات السياسية العامة التي يجري طرحها بشكل تجاري ومنقطع كلياً عن التطبيق العملي.
إذا وضعنا جانباً أمنيات المتشددين في أن يسهم الحدث الأوكراني في تأخير وإطالة الوضع القائم في سورية، وحاولنا النظر موضوعياً إلى معانيه وتأثيراته المحتملة على سورية وأزمتها، فإننا سنجد أنفسنا أمام المعطيات التالية:
أولاً، يمثل الحدث الأوكراني مرحلة جديدة ومفصلية من مسار ثابت عالمياً ومتصاعد منذ عقدين، لتثبيت التوازن الدولي الجديد الذي ستنتهي معه إمكانات البلطجة الأمريكية والغربية على العالم.
ثانياً، الواقع الذي سمح بانفجار عشرات الأزمات المحلية والإقليمية، ومنها الأزمة السورية، ومنع الوصول إلى حلها، هو بالذات الواقع الذي للأمريكان فيه كلمة حاسمة في التأزيم، يساعدهم في إنفاذها أصحاب المصالح الضيقة ضمن «نخب» الأنظمة ومعارضاتها، والذين يشكلون في نهاية المطاف إحدى أدوات عملية النهب العالمية التي تنطلق من دول الأطراف باتجاه المركز الغربي. ووضع نقطة النهاية لهذا الواقع، تعني أيضاً وضع نقطة النهاية لهذه الأزمات وللمستفيدين منها.
ثالثاً، إذا كان الغرب قد وافق شكلياً على اتفاقية «مينسك» ومنع تنفيذها، فهو قد فعل الشيء نفسه من حيث الجوهر بما يخص القرار 2254. وإذا كان جوهر اتفاقية مينسك هو ما يجري تطبيقه الآن بشكل عملي، فإنّ 2254 سيجد هو الآخر طريقه نحو التنفيذ العملي، ولكن بوسائل أخرى تناسب الوضع السوري.
نقطة الانطلاق الأساسية نحو تنفيذ 2254، هي الاستفادة من التوازن الدولي الجديد ابتداءً من الآن، وهو الوضع الذي سيصبح أشد وضوحاً مع انتهاء الجانب العسكري من الوضع الأوكراني. وهذه الاستفادة تعني بالملموس الذهاب نحو تطبيق القرار بغض النظر عن مشاركة الغرب من عدمها، والإطار الدولي- الإقليمي الفاعل والقادر على تولي زمام المبادرة في هذا الأمر هو إطار أستانا، وبالتعاون مع الصين.
بالتوازي، فإنّ واجب الوطنيين السوريين من كل الأطراف هو تجميع وتحشيد وتنظيم قواهم لصبها جميعها في اتجاه واحد هو التنفيذ الفوري والكامل للحل السياسي الشامل على أساس القرار 2254، بما يتضمنه ذلك من مهام تتعلق بالتفاوض المباشر وبطبيعة ونوعية وشمولية وأهلية الوفود المعنية بالتوافق على الشكل الملموس للتطبيق...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1064