في فهم معنى «الغاز مقابل الروبل» 1- (العقوبات وسعر الصرف)
أعلنت روسيا يوم 23 آذار الماضي، أنها لن تقبل استمرار بيع غازها للدول «غير الصديقة» بالدولار أو باليورو، ولن تبيعه إلا بالروبل. ووضعت قرارها موضع التنفيذ ابتداءً من اليوم، 1 نيسان، بما في ذلك أنها ابتداءً من تاريخ اليوم، ستغلق حنفية الغاز على من لا يقبل الدفع بالروبل... فما الذي يعنيه ذلك بالنسبة لروسيا وأوروبا والعالم ككل؟
سنحاول ضمن سلسلة من المقالات المرور على عدة مستويات في فهم معنى وأبعاد التحول الجاري، والذي نعتقد أن مسألة تسعير الغاز بالروبل وعلى أهميتها، ليست أكثر من مدخل أولي ورمزٍ لعمليات التحول القادمة... وفي هذه المقالة سنقف عند أحد الأمور الأكثر وضوحاً ومباشرة بما يخص هذه المسألة وهي التأثير المتبادل بين (العقوبات) و(سعر الصرف) و(الغاز- روبل)...
العقوبات والتأثير على الروبل
يوضح الشكلان التاليان تغيرات سعر صرف كل من الدولار واليورو على التتالي مقابل الروبل، وذلك خلال الفترة من 20 شباط الماضي وحتى اليوم الأول من نيسان، أي خلال حوالي 40 يوماً.
قبل انطلاق «العملية العسكرية الخاصة» الروسية في أوكرانيا يوم 24 شباط الماضي، كان سعر صرف الروبل مقابل كل من الدولار واليورو هو بحدود (1 دولار=75 روبل، 1 يورو=86 روبل).
في اليوم التالي مباشرة لبدء العملية، بدأت العقوبات الغربية التي وصلت خلال أسبوعين إلى مستوى غير مسبوق إطلاقاً. انعكس ذلك مباشرة في سعر صرف الروبل؛ حيث انخفض إلى مستويات قياسية يومي 8 و9 آذار (الدولار وصل إلى حدود 150 روبل، واليورو إلى حوالي 163 روبل)، أي إنّ الروبل كان قد خسر عملياً نصف قيمته خلال أسبوعين.
بعد استيعاب الصدمة الأولية لانهيار سعر الصرف، بدأت جملة من القرارات المتعلقة بالبنك المركزي الروسي، وبحركة العملات الصعبة من وإلى روسيا، وبدأت هذه الإجراءات تفعل فعلها بشكل تدريجي يوضحه التحسن التدريجي لسعر صرف الروبل ابتداءً من يوم 10 آذار وحتى يوم 22 آذار.
وابتداءً من يوم 23 آذار، أي يوم الإعلان عن قرار روسيا بيع غازها بالروبل حصراً، بدأت عملية تحسن سريع للروبل، وكانت عاصفة مع افتتاح أسواق يوم الاثنين الماضي 28 آذار. ويمكن أن نرى اليوم أنّ سعر صرف الروبل مقابل الدولار واليورو قد عاد تقريباً إلى القيم نفسها التي كان عليها قبل بدء العاصفة الأوكرانية.
مسار جديد للعقوبات
ما ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار جدياً، واستناداً إلى مجرد التوصيف الشكلي لمسار سعر صرف الروبل خلال 40 يوماً الماضية، هو أننا أمام مسارٍ جديد بالمعنى التاريخي لكيفية تأثير العقوبات الغربية؛ فالنظر إلى التجارب السابقة للعقوبات، على كل من إيران وكوبا وسورية والعراق والسودان وليبيا ولبنان وغيرها، وحتى على روسيا نفسها فيما مضى وخاصة ابتداء من 2014، يظهر أن إحدى النتائج المشتركة لكل هذه العقوبات، والتي بات يتم التعامل معها على أنها قانون وعلى أنها قدر لا راد له، هي أنّ سعر صرف عملة الدولة المستهدفة يهوي وينحدر يوماً وراء الآخر وسنة بعد أخرى، ويترافق ذلك بطبيعة الحال بتدهور الوضع المعيشي للسواد الأعظم من سكان البلد المعاقب، وكذلك بفقدان سلع أساسية وبصعوبات كبرى وأوضاع مأساوية... (لا يمكنني في يومٍ من الأيام أن أنسى التباهي المتعجرف والوقح لجويل ريبورن، المبعوث الأمريكي الخاص السابق لسورية، في جنيف عام 2019، وهو يظهر لمحدثيه على هاتفه تطبيقاً يتابع من خلاله سعر صرف الليرة السورية ويعبر عن فرحه العارم بتأثير العقوبات الأمريكية في تدمير الليرة السورية)...
بعد هذا المسار خلال كامل النصف الثاني من القرن العشرين وفوقه عقدين من القرن الحالي، فإننا اليوم أمام واقع جديد؛ ضمن هذا الواقع، تستطيع الدولة المعاقبة أن تستعيد قيمة عملتها خلال أقل من شهر واحدٍ عملياً... بما في ذلك أن أسعار السلع الأساسية كلها في روسيا وإن كانت قد ارتفعت ضمن حدود 10% إلى 15% خلال فترة انحدار قيمة الروبل، فإنّ تلك الارتفاعات قد بدأت بالتراجع، وبدأت الأسعار بالعودة إلى مستوياتها السابقة، ناهيك عن أنّ المعلومات تقول اليوم إنّ البنزين في المحطات في روسيا يباع بأسعار أقل ب10% مما كانت عليه قبل شهرين!
هذا ولم نتكلم بعد عن الأضرار التي وقعت على «الدول المعاقِبة»، أي على الولايات المتحدة وأوروبا خاصة...
كل ذلك، يدعونا إلى التفكير أبعد وأعمق؛ فالتحولات التي تجري ليست اعتيادية إطلاقاً، وهذا ما سنحاول العمل عليه بشكل تدريجي ضمن المقالات اللاحقة التي ستعالج بشكل أولي الأبعاد التالية للمسألة:
العلاقة بين البترودلار والمواد الخام حول العالم.
العلاقة بين البترودولار والتبادل اللامتكافئ.
مستقبل البترودولار ومستقبل التبادل اللامتكافئ.
مستقبل الولايات المتحدة وأوروبا.
دور الذهب، وما هي العملة العالمية الجديدة؟
ما هي طبيعة النظام العالمي الجديد القادم؟
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1064