افتتاحية قاسيون 1036: سيادة الشعب السوري

افتتاحية قاسيون 1036: سيادة الشعب السوري

يعيش العالم بأسره، كما بات واضحاً وملموساً، عملية انتقال كبرى من منظومة القطب الواحد الأمريكية، نحو عالم جديد لا يمكن اختصاره بمقولة تعدد الأقطاب، وإنْ كانت هذه الأخيرة نفسها مرحلة ضمن الانتقال الشامل نفسه.

الميزة الأكثر أهمية ضمن عملية الانتقال الجارية، هي أنها ليست كسراً للهيمنة الغربية التاريخية فحسب، بل وأهم من ذلك أنها كسرٌ بالذات لآليات وأدوات تلك الهيمنة وعلى رأسها آلية النهب المزدوجة: (الدولار عملة عالمية والتبادل اللامتكافئ).

وإذا كان من الواضح أن القوى الصاعدة، وعلى رأسها الصين وروسيا، تستخدم في صراعها مع واشنطن وحلفائها، القانون الدولي وبالدرجة الأولى ضرورة احترام سيادة الدول، فإنّ الوقائع تؤكد أنّ اختزال هذه الآلية عبر المطابقة بين الأنظمة والدول، وإنْ كان قد سمح في مراحل سابقة بكسر التدخلات العسكرية المباشرة وغير المباشرة، وخاصة الإرهابية منها، فإنه يقف عاجزاً أمام التدخلات الاقتصادية التي باتت اليوم الخطر الأكثر تهديداً وأساسية، وهو ما يمكن رؤيته بشكل واضح جداً في كل دول المنطقة وفي سورية على وجه الخصوص...

ما يعني ضمناً، أننا دخلنا مرحلة جديدة، يمكن فيها للإنجازات العسكرية التي تمت في مواجهة الإرهاب، أن تتبخر من البوابة الاقتصادية، ومن بوابات الطاقة وما شابهها.

 

إنّ عمق المسألة يكمن بالضبط، في أنّ طبيعة البنى الطبقية التي تحكمت وتمكنت خلال مرحلة السيادة الأمريكية، هي طبيعة تتميز بثلاث خواص أساسية:

أولاً: هي بنى تكرّس اقتصاداً ضعيف النمو ويعمّق اللاعدالة في التوزيع. وبالتوازي تلعب هذه البنى دور نهبٍ مزدوج؛ لجيوبها، وكسمسار لعملية التبادل اللامتكافئ التي يتربح من خلالها الغرب.

ثانياً: للمحافظة على مواقعها في ظل الجور الاقتصادي الاجتماعي الهائل الذي تمارسه، فإنها تحوّل طبيعة الفضاء السياسي والمدني ضمن الدولة باتجاه حالة شديدة القمع، وشديدة التضييق على الحقوق السياسية...

ثالثاً: المصلحة العميقة لهذه البنى، كانت ولا تزال مرتبطة عضوياً ليس بالقوى الغربية فحسب، بل وأيضاً بالنموذج الغربي بوصفها بالمعنى الاقتصادي سمساراً له... وهذا الدور سرعان ما يعبر عن نفسه سياسياً، بطريقة أو بأخرى.

هذه السمات جميعها، تجعل من فهم سيادة الدول بوصفها سيادةً لشعوب تلك الدول، ولحق تلك الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها، حاجة ملحة وعملية في إطار الصراع الدولي القائم الذي باتت فيه بنى النهب حملاً إضافياً وعبئاً ومعيقاً لعملية الانتقال نحو الجديد.

عملية الانتقال التاريخي الجارية نحو الجديد، لا يمكنها أن تتم وتستكمل إلا بالأدوات المناسبة لها؛ وهذه الأدوات ليست قطعاً، مجموعة من النخب ذات المصالح الأنانية التي لا تزال ترى العالم بأسره من خرم إبرة مصالحها، والتي كانت ولا تزال تتقاطع مع المصالح الغربية.

بالضد من ذلك، فإنّ مصلحة الشعب السوري في الاستقرار والتطور والنمو والعدالة، تقف على الضفة المقابلة لمصالح النخب المنتفّعة، ولمصالح الغرب وتبادله اللامتكافئ.

وبهذا المعنى، فإنّ تنفيذ القرار 2254 بوصفه أداة في امتلاك الشعب السوري، الشعب وليس أي أحد آخر، لحقه في تقرير مصيره ومصير بلاده بنفسه، وعلى أساس احترام سيادة هذا الشعب وحقوقه وآماله، بات جزءاً أساسياً لا في خروج سورية من أزمتها فحسب، بل وفي الانطلاق نحو العالم الجديد.

 

(النسخة الإنكليزية)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1036
آخر تعديل على الأحد, 19 أيلول/سبتمبر 2021 22:04