إخراج الأرانب من القبعة السحرية... خط الغاز «العربي» كمؤشرٍ على طبيعة المرحلة
طرحت قاسيون في مادتها المعنونة «7 أسئلة حول خط الغاز (العربي)»، والمنشورة على موقعها الإلكتروني بتاريخ 8 أيلول الجاري، مجموعة أسئلة حول ما يسمى بخط الغاز «العربي»، وعلاقته بالسلوك الأمريكي في المنطقة وخاصة قانون قيصر، وكذلك جملة أسئلة أخرى حول الأدوار الفرنسية وحول طبيعة الموقف الصهيوني من المسألة.
في هذه المادة، سنحاول الإجابة عن سؤال أساسي: ما الذي يعنيه توقيت طرح خط الغاز «العربي»؛ بما يتعلق بترتيبات الوضع الدولي، ومن ثم وضع المنطقة، وأخيراً الوضع السوري؟
هوية المشروع، دولياً
المشروع وفقاً لما قيل عنه حتى الآن، يتضمن ربطاً طاقياً وكهربائياً بين مجموعة من الدول هي: «مصر، الأردن، سورية، لبنان، العراق». ويضاف إليها بشكل غير مباشر، الكيان الصهيوني لأنه مرتبط أصلاً بالمعنى الطاقي مع كل من مصر والأردن (ومرتبط من موقع المصدّر)... يضاف إلى ذلك، الترابط الطاقي/ السياسي لقسم من هذه الدول بشكلٍ علنيٍ مع الكيان ضمن ما يسمى «منتدى غاز شرق المتوسط»، والذي يضم كلّاً من: «مصر، (إسرائيل)، قبرص، فرنسا، اليونان، إيطاليا، الأردن»، والمُنشأ في القاهرة في أيلول من عام 2020، والذي انضمت إليه الولايات المتحدة في 9/آذار/2021 كعضو مراقب.
مجرد النظر إلى خريطة الخط، وطبيعة الترابطات الدولية التي أشرنا إليها، يسمح ببروز الاستنتاج الواضح أنّ هوية المشروع الدولية، ورغم اسمه «العربي»، هي هوية غربية بالصميم.
وهذا يعني ضمناً أنه بالضد من مشروع «الحزام والطريق» ومن المشروع «الأوراسي»، وأنه معاكس تماماً للتوجه شرقاً...
وبما أنّ طرح المشروع يتزامن مع عمليات الانكفاء والانسحاب العسكري الأمريكي من المنطقة، فليس من الصعب تشبيهه بالسيرة التقليدية لخروج الاستعمار العسكري المباشر من الباب، ودخوله من الشباك الاقتصادي...
هوية المشروع، إقليمياً
إذا كان البعض يجادل بأنّ الكيان الصهيوني ليس جزءاً من المشروع، لا بشكل علني ولا بشكلٍ سري، وإذا أردنا من جهتنا أن «نصفّي النية» ونوافق على هذا الكلام، فإنّ ما يصعب الجدال فيه هو الأمور التالية:
1- محاذاة الخط لكامل حدود فلسطين المحتلة الغربية وكامل حدودها الشرقية، والتفجيرات العديدة التي تعرّض لها الخط بقسمه المصري خلال السنوات الماضية، والتي نُسبت إلى «مجموعات إرهابية»، وأدّت و«بقدرة قادر» إلى فتح الطريق أمام الوصل الطاقي المباشر بين الكيان والأردن (الخط الواصل إلى محافظة المفرق الأردنية بطول 65 كم)، وهو المشروع الذي أعلن عنه عام 2016، وبدأ الضخ عبره السنة الماضية... يضاف إلى ذلك أنّ الخط الواصل بين العريش المصرية وعسقلان المحتلة، كان في بدايته خطاً للتصدير من مصر نحو الكيان، وانقلب اتجاهه منذ 2019... كل هذه الأمور تدفع إلى استنتاج واضح: الخط ككل سيكون تحت رحمة الصهيوني الذي (إذا افترضنا أنه ليس جزءاً متخفياً ضمن اللعبة)، فإنه سيكون في موقعٍ يسمح له بممارسة البلطجة عليه: «فإما أن أكون جزءاً من المشروع أو ألا يكون المشروع نفسه».
2- عقدتا الربط الغازي بين الكيان وبين كلٍ من مصر والأردن هما على التوالي: العريش المصرية، والمفرق الأردنية، واللتان تقعان أيضاً على طريق «خط الغاز العربي»! وهاتان الدولتان تستوردان الغاز من الكيان الصهيوني عبرهما، وسنحتاج إلى إثباتات كثيرة للتأكد أنهما لن تمرّرا الغاز المسروق من فلسطين باتجاه سورية ولبنان، لأنه ليس لدى الدولتين المعنيتين، وبشهادة السلوك الفعلي لكلٍ منهما، أيّ مانعٍ مبدئي من القيام بذلك...
3- الطاقة الاستيعابية القصوى لخط الغاز «العربي»، على أساس قطر الأنبوب، هي 10 مليارات متر مكعب سنوياً من الغاز الطبيعي. الطاقة الاستيعابية للأنبوبين الذين تصدر «إسرائيل» عبرهما الغاز نحو مصر (العريش) والأردن (المفرق) - واللتان تقعان على خط الغاز العربي- هما على التتالي 7+3=10 مليارات متر مكعب.
4- وفقاً للباحث اللبناني د. شادي نهرا، فإنّه: «في أول أكتوبر 2018، أعلنت هآرتس أن شركة دِلِك الإسرائيلية اشترت 39% من أنبوب شرق المتوسط لتصدير الغاز الإسرائيلي من عسقلان إلى العريش. وأضاف الخبر، بدون تفاصيل، أن دِلِك اشترت أيضاً خط الغاز العربي الذي يربط العريش (مصر) بالعقبة (الأردن). وفي 5 أكتوبر، وقّعت مصر اتفاقاً لتصدير الغاز المصري إلى الأردن، من العريش إلى العقبة، الذي لا يتم إلا عبر خط الغاز العربي».
5- تقوم فكرة المشروع ككل على تصدير الغاز الطبيعي المصري عبر الأردن وسورية إلى لبنان، وتشير التصريحات إلى أنّ قسماً من الغاز سيجري تحويله إلى كهرباء في الأردن وإرساله عبر الشبكة الأردنية فالسورية فاللبنانية لحل أزمة الكهرباء في لبنان... ولكن المشروع ككل لن يساهم في أحسن الأحوال سوى بمقدار 5,5 ساعات وصل إضافية للكهرباء في لبنان، ما يثير تساؤلات جدية عن الجدوى الاقتصادية للمشروع في حال كان المصدر الوحيد للغاز ضمنه هو المصدر المصري... ومن ثم يثير تساؤلات عن الغايات السياسية له... (ضمن المادة هذه نفسها أفردنا فقرة بعنوان أرقام وحسابات لمناقشة هذه النقطة).
6- وزير البترول والثروة المعدنية المصري، طارق الملا، وفي تصريحات له خلال استضافته يوم الجمعة 10 أيلول الجاري في برنامج الحكاية مع الإعلامي عمرو أديب: «حدثت اكتشافات مؤخراً للغاز ليس في مصر فقط ولكن في إسرائيل وقد يكون في لبنان وفي غزة، هناك كشف منذ عدة سنوات وقبرص وكل الدول. الاكتشافات التي لدى هذه الدول كبيرة على احتياجاتها، ولا تستطيع أن تستفيد من هذا الكشف الموجود تحت المياه، ولابد أن يبيعوه وليس لديهم شبكات أو وسائل لتصريف هذا الغاز، فنحن كنا أنسب أجهز وأسرع حل. نعم لدينا اكتفاء ذاتي ونصدر ومن قدرتنا، ولكن لدينا إمكانات أن نستورد ونعيد التصدير، وبالتالي نشتغل في تجارة، نستورد ونصدر ونشغل، ونكون مركزاً لتجارة وتداول الغاز».
7- الوساطة والتشجيع الفرنسي والإماراتي للمشروع، وكذلك تعاون البنك الدولي (وفقاً لغجر)، وبالإضافة إلى كل ما سبق، يجعل من السؤال عن العلاقة بين هذا المشروع وبين عمليات التطبيع مع الكيان سؤالاً ملحاً ومشروعاً.
هوية المشروع، محلياً
إذا جمعنا الجانبين الدولي والإقليمي، ونظرنا إلى طبيعة القوى المؤثرة في سورية، فإنّ الاستنتاج المباشر هو أنّ المشروع يصب بالضد من خانة ثلاثي أستانا كاملاً (روسيا، تركيا، إيران)، إضافة إلى تعارضه مع مشروع «الحزام والطريق».
وربما أهم من ذلك، أنه وتحت ضغط العقوبات الأمريكية وضغط الفساد الكبير الداخلي والانهيار الاقتصادي، يجري تقديم هذا المشروع وكأنه الأرنب الذي يخرجه الساحر من قبعته في اللحظة الأخيرة... وأوضح مخاطر هذه اللعبة، وربما أقلها، هو تحويل سورية إلى ممر طاقي خاضع للبلطجة «الإسرائيلية» بأحسن الأحوال، وفي أسوئها إلى ممر طاقي للغاز الفلسطيني المسروق.
وليس من الصعب لمن يتابع تفاصيل الوضع السوري، ومحاولات المتشددين الهروب من الحل السياسي بأية طريقة ممكنة، أن يتوقع أنّ الغربيين لا مشكلة لديهم في بقاء الأمور على حالها المتردي، بل ودفعها لمزيد من التردي ضمن شرطين: استمرار الفوضى من جهة، وملء فراغ الانسحاب الأمريكي القادم عبر «اتفاقات أبراهام»...
المشروع كمؤشر على طبيعة المرحلة
كل ما قلناه سابقاً من معلومات وافتراضات، يناقش –برأينا- سيناريوهات غربية مأمولة، ولا يعني ذلك بحال من الأحوال أنها سيناريوهات حتمية التحقق، أو مستدامة، بل إنّ احتمالات تحققها واستدامتها مشتقة من القوة الفعلية لأصحابها (الآن ولاحقاً)، ليس على المستوى المحلي فقط، بل وعلى المستويين الإقليمي والدولي أيضاً... ولذا فإنها لا تزال حتى الآن في إطار «الرغبات».
ولكن ربما الاستنتاج الأكثر أهمية بما يخص الوضع السوري، هو أنّ الصراع قد انتقل من طورٍ إلى طورٍ آخر جديد بالكامل... فبعد مراحل الصراع الأمني- العسكري- السياسي، ومن ثم الاقتصادي، نرى اليوم أن الصراع تجاوز المرحلة التي كان استهدافها الأول هو تدمير سورية، إلى مرحلة بات الصراع فيها على آلية تعميرها...
بكلام آخر؛ فهو صراع على طبيعة التموضع الاقتصادي والسياسي والجيوسياسي لسورية ضمن المشاريع العالمية والإقليمية الكبرى. وهذا الأمر نفسه يعني صراعاً ضمنياً على الحل السياسي القادم؛ بين معسكر يريد القفز فوق الحل السياسي، وتحويله إلى نافلة عبر تثبيت الأمر الواقع أو عبر إجراء تغييرات شكلية تضع سورية على طريق سوليدير بيروت، وبين معسكر يريد تنفيذ الحل السياسي والذهاب بسورية شرقاً نحو اقتصاد منتج ونحو علاقات متكافئة اقتصادياً، وبالتأكيد نحو دور وظيفي معادٍ للصهيونية وللمشاريع الغربية...
أرقام وحسابات
• الطاقة الكهربائية التي يمكن إنتاجها من مترٍ مكعب واحد من الغاز الطبيعي، (باستخدام توربينات الغاز ذات الدورة المركبة CCGT)، وهي من بين الأعلى كفاءة في هذا المجال وتصل إلى 60%، هي 6,6 كيلو وات ساعي.
• تقدر احتياجات لبنان السنوية من الكهرباء بين 3000 و3500 ميغا وات (كاستطاعة)، تنتج منها بأحسن الأحوال 1800 ميغا وات، أي أنّ العجز يتراوح بين 1200 و1700 ميغا وات... أما كعجز في الطاقة فهو عجز الاستطاعة مضروباً بالزمن (وهنا هو سنة)، أي بين 10,5 و15 تيرا واط ساعي.
• بالتالي، فإنّ كمية الغاز الطبيعي التي يحتاجها لبنان لحلٍ كاملٍ لمشكلة الكهرباء، بافتراض استخدام توربينات CCGT، هي بين 1,6 و 2,3 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي.
• وفقاً للتقرير السنوي لبريتش بتروليوم الصادر هذا العام «Statistical Review of World Energy 2021» (يمكن تحميله عبر الرابط في النسخة الإلكترونية من المادة)، فإنّ إجمالي صادرات مصر من الغاز الطبيعي عام 2020، قد بلغت 1,8 مليار متر مكعب. وذلك علماً أنّ الفارق بين إنتاجها واستهلاكها في العام ذاته، أي الفائض القابل للتصدير هو فقط 0,7 مليار متر مكعب، ما يعني أنّ رقم 1,8 مليار متر مكعب للتصدير، يتضمن زيادة قدرها 1,1 مليار من المرجح أنها صادرات للكيان عبر مصر... وهذا ليس مخفياً؛ أي قيام «إسرائيل» بتصدير الغاز عبر مصر، وقد أعلن عنه وزير النفط والثروة المعدنية المصري طارق الملا في التاسع من الشهر الماضي.
• إذا كانت صادرات مصر هي 1,8 مليار متر مكعب سنوياً، فهذا يعني أنّ صادراتها كلّها، في حال تمّ تحويلها إلى طاقة كهربائية نقلت إلى لبنان، فإنها بالكاد تستطيع تعويض العجز القائم.
• المشروع ككل لا يتحدث عن حلٍ كامل لعجز الكهرباء في لبنان، بل عن حلٍ جزئي، يستند إلى استيراد 200 إلى 250 ميغاوات كهرباء من الأردن عبر الشبكة السورية (ما يعني وصلاً إضافياً للكهرباء في لبنان قدره 1,3 إلى 2 ساعة كحد أقصى)، وهذا الجزء لن يبدأ قبل 6 أشهر تقريباً (وفقاً لوزيرة الطاقة الأردنية في لقاء لها مع قناة الحرة الأمريكية يوم 9 أيلول الجاري)، إضافة إلى 450 ميغاوات (3 إلى 3,5 ساعات وصل إضافي كحد أقصى) يتم توليدها في محطة دير عمار اللبنانية باستخدام الغاز الطبيعي المفترض استيراده من مصر عبر الخط (وفقاً لتصريحات الوزير اللبناني ريمون غجر في مقابلة أجراها أيضاً مع قناة الحرة الأمريكية في الخامس من أيلول)... أي إنّ المشروع بأكمله، من المفترض أن يساهم في زيادة العدد الوسطي لساعات وصل الكهرباء في لبنان بمقدار 4,3 إلى 5,5 ساعات كحد أقصى... علماً أنّ مناطق عديدة في لبنان تحصل حالياً على ساعات وصل كهرباء بين صفر و3 ساعات يومياً.
• تتأكد حساباتنا السابقة من المقابلة المشار إليها آنفاً لوزير الطاقة اللبناني، والتي قال فيها إنه في حال تشغيل محطة دير عمار اللبنانية، فهذا يعني توليد «450 ميغاوات على الغاز، وبهذا سنتمكن من تحويل النفط العراقي لتشغيل محطات مختلفة، وبما يعني زيادة توفير الطاقة بحدود أربع ساعات إضافية».
• إذا افترضنا أنّ الأردن لن تعتمد على الغاز المصري ولا «الإسرائيلي» في توليد الـ 200 إلى 250 ميغاوات التي من المفترض أن تبيعها للبنان عبر الشبكة السورية، وإذا افترضنا أن سورية لن تأخذ أية حصة لا من الغاز ولا من الكهرباء، فإنّ توليد 450 ميغاوات عبر الغاز المصري في محطة دير عمار اللبنانية، يحتاج إلى حوالي 0,6 مليار متر مكعب من الغاز، أي تقريباً كل الفائض المصري من الغاز، ولزيادة توليد الكهرباء في لبنان مدة 3,5 ساعة كحد أقصى... فهل تكافئ هذه الزيادة المفترضة، كل هذه الضجة وهذه «الشبهات» والمخاطر؟ أليست هنالك حلول أخرى أسهل وأوفر... وأوضح؟
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1035