افتتاحية قاسيون 971: زيادة الأجور ضرورة... إنسانية ووطنية
أصبح الحد الأدنى للأجر في سورية الأقل عالمياً عند قياسه بالدولار، وقد يكون الأقل من حيث قدرته الشرائية... فخلال أسبوعين أصبحت تكاليف سلة الغذاء الأساسية 6,6 ضعف الحد الأدنى للأجر، والبالغ قرابة 50 ألف ليرة! وهو ما يعني أن تكاليف المعيشة لأسرة من خمسة أشخاص فاقت 550 ألف ليرة، إذا ما افترضنا أن الغذاء يشكل نسبة 60% من تكاليف المعيشة في هذه الظروف القاسية التي تضيّق الإنفاق على الجوانب الأخرى!
أي أنه ينبغي أن يتضاعف الحد الأدنى للأجر 11 ضعف ليتيح لأسرة العامل السوري الاستمرار! ولكن هل يمكن رفع مستوى الأجور 11 ضعف؟!
نظرياً من غير الممكن في اللحظة الحالية الوصول إلى هذا المستوى مباشرة، لأن الكتلة المطلوبة للزيادة أعلى من مجمل الدخل الوطني... ولكنّ عدم زيادة الأجور بأي نسبة يعني ترك الملايين للجوع، وهو ما يعتبر كارثة إنسانية ووطنية وهو ما تهدف إليه العقوبات... إنّ الزيادة ضرورية لتأخذ الأجور حصة أعلى من الناتج مقابل الأرباح وسط توزيع جائر بشكل استثنائي حيث لا تحصل الأجور على 20% من الناتج، مقابل 80% تذهب للأرباح!
زيادة الأجور تقتضي زيادة الناتج، وهنالك ثلاثة اتجاهات ممكنة لجمع الموارد وإنعاش الاقتصاد وليست جميعها فعّالة:
أولاً تعبئة الموارد يجب أن تكون من حيث تتراكم، أي في الثروات المكدّسة والمنهوبة تاريخياً لدى كبار الفاسدين وتحديداً من تجارة الحرب في السنوات الأخيرة، والتي ينبغي أن تصادر وتتحول إلى موارد استثمارية تدخل في شرايين الإنتاج المحلي وتنعشه وترفع حصة الأجور منه، لتوظّف في تخفيض مستويات أسعار الغذاء وتزيد إنتاجه ما يسبب رفعاً مباشراً للأجور.
ثانياً يطرح البعض الاعتماد على القروض، السياسة التي أنبأت بها تصريحات حكومية وهي محفوفة بالمخاطر وغير واقعية. فاستمرار الفساد الكبير والفوضى كنهج يعني تبخّر الموارد المُستدانة والإبقاء على فوائدها وأعبائها على كاهل مستقبل السوريين، هذا عدا عن أن ظروف الأزمة الاقتصادية العالمية لن تتيح خيارات اقتراض جدية، وسترفع مستوى الشروط السياسية والاقتصادية إلى حد سيجعل من الاستحالة الحصول على القروض.
ثالثاً يمكن الحديث عن الموارد الآتية عبر الإصدار النقدي المحلي أي الاعتماد على طبع الأموال، وهو احتمال أقل مخاطرة من احتمال القروض، ولكنه أيضاً مشروط بتغيير النهج الاقتصادي وتحويل كتلة الليرة المطبوعة إلى استثمار إنتاجي حقيقي يخفض مستويات الأسعار ويزيد القيمة الحقيقية للأجور بنسب مدروسة، وعدا عن هذا فإن هذه الكتلة لن تكون إلا عامل سلبي إضافي يزيد التضخم ويخفّض قيمة الليرة وبالتالي يرفع الأسعار.
لا يمكن التفكير بأي حلول اقتصادية مؤقتة حالياً طالما أن منظومة النهب والفساد الليبرالية مستمرة، وطالما أن الشعب السوري لا يمتلك القدرة على فرض سياسات جذرية تفتح الباب للحلول الممكنة... ولذلك فإن الطريق الوحيد إلى الحلول هو بالمساحة السياسية التي سينتزعها الشعب السوري عندما يقدّم المتشددون من أطراف الصراع السوري تنازلات تتيح تطبيق القرارات الدولية وتحديداً 2254 للوصول إلى تسوية تسمح للشعب السوري بالتحرك لحل المشكلة، الأمر الذي إن لم يتم فإن الفوضى ستنجح في فرض نفسها مجدداً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 971