هل تستطيع واشنطن الاستفراد ببكين؟
مالك أحمد مالك أحمد

هل تستطيع واشنطن الاستفراد ببكين؟

بينما تواصل روسيا والصين حضورهما على الساحة الدولية كقوى دولية تملك ما تملك من قدرات عسكرية واقتصاد، هو الاقتصاد الأكثر تأثيراً في العالم. تكثر التحليلات السياسية التي تقول: إن واشنطن تحاول أن تستفرد بإحدى الدولتين وتحييد الأخرى. وكانت المادة التي بُني عليها هذا التحليل هي بوادر الانفراج الروسي الأمريكي الذي عبر عن ذاته في اجتماع سوتشي الأخير، في مقابل اشتداد موجة العقوبات الأمريكية ضد الصين، فهل في واقع العلاقات الروسية الصينية ما يدعم مثل هذا الاعتقاد؟

أدركت قيادتا البلدين، روسيا والصين، أن السبيل الوحيد لهزيمة العالم الأحادي القطب، هو من خلال تشكيل مؤسسات عالم جديد متعدد الأقطاب يهدف إلى تسهيل عملية تحويل مراكز القوة. وتستحدث في الواقع الشراكة الإستراتيجية بين روسيا والصين نظاماً عالمياً جديداً يقوم على السلام والتنمية.

العالم متعدد الأقطاب والسلام العالمي

يضمن النظام العالمي متعدد الأقطاب، الذي تقوده كل من الصين وروسيا الازدهار العالمي من خلال التكامل الإقليمي السلمي، وهو ما نراه في شرق آسيا ومنطقتنا (من خلال ترويكا آستانا) وجزئياً في إفريقيا، فضلاً عن محاولات خلق فضاء سياسي أوروبي جديد أقرب إلى الشرق. وتحاول الولايات المتحدة لهذا السبب منع هذه التعددية القطبية من أن تصبح عالمية من خلال تطويق روسيا بحلف الناتو (الآيل إلى التفكك)، واحتواء الصين بمشاريع آسيوية مشابهة لحلف الناتو.
ويشهد العالم من خلال هذا السيناريو الجديد نقلة نوعية في البانوراما الجيوسياسية. فتواصل تركيا التي هي عضو في حلف الناتو، التقارب من روسيا والصين، بينما تفشل بهذا الشكل أو ذاك محاولات دفع الهند للانضمام إلى سياسة الاحتواء الأمريكية ضد الصين، في وقتٍ لا نزال نشهد فيه تطوراً في العلاقات الصينية الباكستانية.

الحرب الهجينة ضد الصين

سارعت الولايات المتحدة إلى إعلان حرب هجينة ضد الصين، عقب إعلان الرئيس الصيني شي جين بينغ لمشروع «الحزام والطريق»، بهدف قطع الطرق التجارية، وذلك من خلال تأجيج النزاعات الإقليمية بين الصين والدول المجاورة لها.
ولهذا الغرض تجهد الولايات المتحدة إلى إبرام «ميثاقها الأمني» لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ مع الحكومات الحالية في اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا، لكن الحجر الأساس في هذه المحاولة كان التعويل على إمكانية ضم الهند إلى الحلف المعادي للصين، لكن الإيقاع الهندي المضبوط حتى الآن لا يشير ببوادر إيجابية بالنسبة لواشنطن.
تعمل الولايات المتحدة في الواقع على إنشاء مشروع في آسيا يشبه حلف شمال الأطلسي ضد الصين. ولا يعني هذا أن المبادرة ضد الصين ستحقق أي نجاح وفقاً لموازين القوى حالياً، لا سيما أمام ما تقدمه بكين من مشاريع تنمية وتكامل إقليمي يهدف إلى حل معظم النزاعات القائمة.

السيطرة الروسية على طوق النار في المحيط الهادئ

أدركت روسيا التهديد الأمريكي المحتمل على الصين بشأن النزاع على بحر الصين الجنوبي، لذلك قررت الحضور العسكري بالقرب من البر الرئيس لليابان في جزر الكوريل، التي تعرف باسم طوق النار بسبب طبيعتها البركانية. وأدى ذلك إلى زيادة دور روسيا في أمن المحيط الهادئ. وأصبح الحشد العسكري وتركيب أنظمة الصواريخ الساحلية أداة لتغيير اللعبة، وتخطط روسيا لإنشاء أسطولها في المحيط الهادئ بالاعتماد على هذه الجزر. وبالتوازي مع الأدوات الدبلوماسية التي استخدمتها موسكو، جرى تعزيز الميل الياباني إلى إظهار المرونة الكافية لحل مشكلة جزر الكوريل دبلوماسياً ومن خلال الحوار.
خلقت روسيا والصين ببساطة فرصاً جديدة للعالم من خلال السعي سويةً لتحقيق مشاريع «أوراسيا الكبرى» و«تحديث طريق الحرير القديم». حيث إنهما تساهمان بفعالية في بناء مستقبل العالم الجديد من خلال توسيع وتعزيز المؤسسات العالمية البديلة متعددة الأقطاب، مثل: بريكس ومنظمة شانغهاي للتعاون والبنك الآسيوي للاستثمار في البنى التحتية، كبدائل تكمل جاهزيتها في حال فشل إحداث تغييرات داخلية في مؤسسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومصرف التنمية الآسيوي.
وفي الواقع، فإن إستراتيجية الحرب العالمية الهجينة الأمريكية ضد طريق الحرير الصيني، والاتحاد الاقتصادي الأوراسي الروسي، جعلت روسيا والصين تقتربان من إنشاء نظام أمني بديل يقاوم عقلية الحرب الباردة التي تقودها الولايات المتحدة والناتو. ووعدت كل من موسكو وبكين في أكثر من مرة، بتأمين التغطية لبعضهما البعض من البحر الأسود إلى بحر الصين الجنوبي من خلال وضع آليات أمنية مشتركة.

آليات لضمان الأمن العالمي

يشير التعاون الصيني الروسي في مجال الدفاع، إلى أن كلا البلدين بصدد صياغة آليات للأمن العالمي. ووضعت الصين بدعم من روسيا خطاً أحمر أمام إقامة الولايات المتحدة واليابان مشروعاً شبيهاً للناتو في آسيا.
في هذا السياق، لا تستخدم روسيا نفوذها في آسيا فقط لحل النزاعات الإقليمية بين الصين والدول الآسيوية، ولكن اتخذت أيضاً تدابير وقائية لصالح الصين. فعلى سبيل المثال: عندما أظهرت روسيا مخاوفها بشأن تركيب الولايات المتحدة لمنظومة دفاع جوي صاروخي على أرض كوريا الجنوبية، كانت الصين قد أعلنت مسبقاً: أن هذا التصرف معاد لها. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة قالت: إن هناك حاجة لنظام أمريكي لمواجهة أي هجوم صاروخي من كوريا الشمالية، فإن روسيا والصين اعتبرتا هذه الخطوة تشكل تهديداً مفتوحاً لأمن منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
وعلى الصعيد الأمني، تُشكل منظمة شانغهاي للتعاون عامل حماية لمشروع طريق الحرير ومشروع أوراسيا الكبرى. حيث إن أحد الأغراض الرئيسة لمنظمة شانغهاي كان بمثابة القوة المقابلة للناتو القادرة على تشكيل آلية متعددة الأطراف لصد النزاعات التي تقودها الولايات المتحدة في المناطق المتاخمة لروسيا والصين.
كل ما سبق يؤكد: أن التعويل الغربي إعلامياً وسياسياً على إيجاد سياسات قادرة على خلق شرخ سياسي بين الصين وروسيا مضطرة إلى الاصطدام بجدار متين من التعاون المبنى مسبقاً بين الدولتين، وهو ما يبدو شديد الصعوبة في ظل تراجع فعالية وقدرات الأدوات الأمريكية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
916
آخر تعديل على الإثنين, 03 حزيران/يونيو 2019 16:05