واشنطن تعترف بـ 2254
بعد كُل العويل الأمريكي وتصعيده في الملف السوري على طول الخط وتحديداً في السنة الماضية، وصلت التطورات إلى لحظة الانعطاف، التي تُجبر واشنطن على تقديم التنازلات حلّاً للأزمة، وكان إعلانها في لقاء بومبيو- بوتين الشهر الماضي، حيث بدأت تظهر أولى ملامح نتائجه.
حاول الأمريكيون انطلاقاً من مصالحهم باستدامة الاشتباك في المنطقة وتحويلها إلى بؤرة حربٍ مستمرة على التصعيد والتعقيد في تفاصيلها على المستويات العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية في تكاملها، إلا أنّ اللحظة التاريخية في تعمّق الأزمة الرأسمالية والأزمة الأمريكية خصوصاً والتغيّرات في موازين القوى الدولية، مع ما أنتجته من عزلٍ وتراجعٍ للولايات المتحدة الأمريكية، كل ذاك، حال دون تنفيذ واشنطن لمشروع فوضاها في سورية بالزخم الذي تريده، تحت ضغط موازين القوى الجديدة: بدءاً من إعلانها عن سحب قواتها من سورية، وليس انتهاءً بتصريحات وزير خارجيتها بتنفيذ القرار الدولي 2254 كاملاً.
التصعيد الأمريكي وصل ذروته
بدأت إشارات تلك التراجعات منذ إعلان الانسحاب ذاك، وتحوّل إلى شكل رسمي وعملي في لقاء بومبيو- بوتين، حيث كان الملف السوري أحد مفاصل اللقاء هذا، ليجري اعتراف أمريكي على لسان بومبيو نفسه بضرورة تنفيذ القرار الدولي 2254 كاملاً مع ما يحمله من ضمانة لوحدة واستقلالية سورية وأراضيها. إنّ هذه المستجدات في التصريحات الأمريكية وسلوكها لم تأت إلّا لكونها اضطراراً أمريكياً، وبعد فشل محاولاتهم بخرق وضرب العلاقة الروسية-التركية لما تُشكله من توافقٍ يُنهي مسألة إدلب كآخر ملفٍ يعيق التسوية السياسية السورية.
المستجدات في السلوك
من المُخرجات التي بدأت بالظهور عن لقاء بومبيو- بوتين كان تصريح جيمس جيفري، الممثل الأمريكي الخاص لشؤون سورية، في مؤتمر صحفي بعد اجتماع مغلق لمجلس الأمن الدولي في 30 من الشهر الماضي، بوجود محادثات روسية- أمريكية حول مسارٍ للمضي قدماً نحو حلّ الأزمة السورية «ما قد ينهي عزلة سورية الدولية». مضيفاً في وقت لاحقٍ: أنّ هذا الأمر «سيتطلب اتخاذ قرارات صعبة». وفي اليوم التالي 31/5 صرّح وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو خلال مؤتمر صحفي في برلين: أن بلاده تعمل «لإيجاد حل سياسي للنزاع في سورية... على أن يكون قرار مجلس الأمن رقم 2254 هو المرجع».
معنى التصريحات؟
لا تحتاج هذه الكلمات القليلة الصادرة عن وزير الخارجية الأمريكي ومبعوثها للشؤون السورية للتوضيح، إنه اعتراف مباشر جديد من واشنطن بعدم وجود «حلٍّ عسكري» كما كانت تُحرّض فيه على طول الخطّ لتأجيج الصراع، وبأن العقوبات الاقتصادية المفروضة على دمشق سيتم رفعها بالتوازي مع ذلك لتُنهي «عزلتها» إذا ما أرادت واشنطن المشاركة في التسوية السياسية على الصعيد الدولي. وهي واحدة من التنازلات التي عُبّر عنها بوصفها «قرارات صعبة». وأخيراً، يكون تصريحهم بتوصيف القرار الدولي 2254 «مرجعاً» هو بحد ذاته تنازلٌ عن العنهجية الأمريكية السابقة بالتغاضي عن القرار ومحاولات غض النظر عنه وعرقلته.
التنازلات المطلوبة «قرارات صعبة»
إذا ما أردنا تلخيص التنازلات المطلوبة والمفروضة شرطاً على الولايات المتحدة الأمريكية لتقليل خسائرها في المنطقة، وتنفيذاً للحل السياسي فهي: خروج قواتها كاملةً من الأراضي السورية، ورفع العقوبات الاقتصادية، والانخراط بالتسوية السياسية، وتنفيذ القرار 2254. وهي التنازلات التي بدأت بإيجاد تعابيرها على ألسنتهم مؤخراً حيث إن أكبرها هو: الاعتراف بـ 2254 والعمل به.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 916