تطويق العنف.. استعداداً لرد التدخل العسكري
ترتدي عملية تطويق العنف الجاري في سورية أهمية كبرى وحاسمة. العنف الذي تحول إلى حدث يومي منظم، تمارسه المليشيات المسلحة الموزعة في الجانبين المتضادين شكلياً.. أي النظام من جهة عن طريق «الشبيحة» المسلحين والعناصر الأمنية المتشددة، والحركة الشعبية من جهة أخرى عن طريق متسلقيها من «تنظيمات إرهابية» وتكفيريين.. وعلينا في البدء أن نتجاوز التخرصات الإعلامية الخارجية والمحلية، التي يحاول كل منها نفي أحد شكلي العنف كل حسب موقعه، ونذهب مباشرة لرؤية الواقع كما هو بعين المسؤولية الوطنية، وأن نعترف عندئذ بشكلي العنف، ونبحث عن السبب ومن ثم عن آليات تطويق العنف والخروج الآمن بسورية استعداداً للمعركة الوطنية القادمة بلا ريب..
العنف.. في مصلحة من؟
يذهب البعض إلى أن النظام هو من بدأ بالعنف، من خلال قمعه الشديد للحركة الشعبية وتضييقه عليها بل وإدمائها، ويتابع بأن خروج السلاح من داخل صفوف الحركة جاء كردة فعل على الفعل الأول.. ويعتبر أن الحركة الشعبية بهذا المعنى بريئة من كل عنف.. وهذا الرأي وإن افترضنا صحته فإنما يندرج في إطار الدراسة التأريخية لما جرى، أي أنه لا يقدم رؤية عملية للحل لأن المهم هنا ليس من بدأ ومن أطلق الرصاصة الأولى، ففي إطار علاقة السبب بالنتيجة فإن النتيجة تتحول إلى سبب لنتيجة لاحقة وهكذا ندخل في حلقة مفرغة من العنف والدماء.. الواقع الآن أن العنف يمارس من كلا الطرفين ويشتد وقعه، والأخطر أن البيئة الحاضنة له تتسع يوماً بعد آخر على اعتبار أن الدماء المهدورة لكل طرف هي مبرره وحجته في إدماء الطرف الآخر أكثر فأكثر.. وعليه لا يستقيم البحث عن السبب الحقيقي إلا بتحييد الذرائع والتوجه نحو الجوهر مباشرة، ولنفعل ذلك نحتاج إلى الإجابة عن سؤال: من هو صاحب المصلحة في العنف وفي استمراره وفي تصعيده؟
شهدت سورية مع انطلاق الحركة الشعبية دخول قوة جديدة على ميزان القوى الداخلي، ومن الطبيعي أن تغير موازين القوى لا بد له من أن يفضي في المحصلة النهائية إلى واقع جديد يتناسب مع توازن القوى الجديد، لكن الوصول إلى ذلك الواقع، وبشكل خاص في ظل تلاعب القوى العالمية الكبرى، يمر عبر مخاضات عديدة وعبر طرق وعرة وملتوية ربما تؤدي في النهاية إلى متاهات تضيع فيها القوى المحلية الجديدة والقديمة، وتفقد الجديدة بشكل خاص كل معانيها التقدمية من حيث هي ضرورة خلقها الواقع المتأزم لتغييره..
إن من الطبيعي أن يحارب القديم في وجه الجديد، وأن يستخدم الأساليب المختلفة في تأجيله، ومن هنا فإن القديم المتمثل بالفساد الكبير داخل جهاز الدولة وبالتجار الكبار خارج جهاز الدولة، يسعى أيما سعي لإدخال الجديد في المتاهة الثأرية، متاهة العنف الطائفي والمناطقي، حتى تحيد بوصلته عن الدريئة الأساسية التي يجب إطلاق النار عليها، لأن الحركة الشعبية إن استطاعت توحيد صفوف السوريين على ما يوحدهم فعلاً وهو إسقاط سلطة الفساد باعتباره اختراقاً سياسياً بالدرجة الأولى ورفع سقف الحريات بما يلبي المهمة الأولى والتجهيز للانتقال السريع من الممانعة إلى المقاومة والهجوم، لو استطاعت الحركة الشعبية فعل ذلك فإن مشانق الفاسدين الكبار لن تلبث أن تعلق في ساحات الوطن.. بتهمة الخيانة العظمى!
ولذا فإن المستفيد الأول والأخير من العنف هم العملاء الداخليون للخارج من تجار كبار وفاسدين كبار، ومن ورائهم أمريكا والصهيونية العالمية..
النتائج الكارثية المترتبة على انتشار العنف
يهدف ناشرو العنف والمحرضون عليه إلى شق صفوف الشعب السوري المتضرر بمعظمه من الفساد ومن التجار إلى فريقين متحاربين محصلة قوتهما تتناهى إلى الصفر، وتصبح بذلك سورية سهلة المنال للخارج، وسهلة التفتيت، وسننتقل عندها من الحديث عن ضرورة الانتقال من الممانعة إلى المقاومة والهجوم إلى الحديث عن ضرورة خلق حركة تحرر وطني من جديد، وربما سنحتاج إلى عشرات القيادات التاريخية من رتبة يوسف العظمة لنعيد تكوين هويتنا الوطنية..
المخرج الآمن
ما تزال الكرة حتى اليوم في ملعب النظام، أي أنه يتحمل المسؤولية الأكبر عن مستقبل سورية، وهذا لا يعني البتة إسقاط المسؤولية عن الحركة الشعبية ولكن هذا هو واقع الأمور..
يذهب بعض المسؤولين في النظام إلى مقولة «العنف لا يجابه إلا بالعنف»، ويتصرفون وكأنهم في ساحة معركة يجب فيها القضاء على الأعداء الواضحين والمحتملين، وتكفيهم هذه المقولة عناء التفكير المسؤول بما سيحل بسورية كنتيجة لهذه السياسة، في حين أن التاريخ يعلمنا أن الإمكانية الحقيقية للقضاء على العنف لا يمكن أن تتوفر بغير عزله عن بيئته الحاضنة، أي بقطع طرق إمداد المسلحين في الطرفين «الشبيحة» و«التنظيمات الارهابية»، والمقصود بقطع طرق الإمداد ليس فقط المادي منها، وإنما المعنوي بالدرجة الأولى، أي إقناع الناس «موالين» و«معارضين» بأن العمل المسلح ليس في صالحهم، وهذا الإقناع يحتاج إلى عمل سياسي وليس إلى عمل أمني، ومفردات هذا العمل الأساسية هي:
الصدق في نقل المعلومات، والتعاطي الإعلامي المسؤول مع ما يجري، دون تخوين وإقصاء واستصغار للمتظاهرين كما يحدث الآن، ونقل المظاهرات بالصوت والصورة من خلال الإعلام الرسمي السوري، لأن ذلك كفيل بتحييد الإعلام الخارجي وبتقزيم دوره من جهة، ومن جهة أخرى بتوليد الثقة لدى المتظاهرين، وبرفع سوية توجههم نحو العمل السياسي.
البدء مباشرة بإجراءات عملية انعطافية، أولها محاسبة علنية لفاسدين كبار وضمناً رموز الحكومة السابقة وعلى رأسهم النائب الاقتصادي وفريقه الليبرالي.
البدء بحوار علني يقال فيه ذاك الذي يقال في كل بيت وشارع.
الإفراج الفوري عن المعتقلين على إثر الأحداث الأخيرة ممن لم تثبت عليهم إدانات جنائية.
تشكيل لجان مقاومة شعبية مشتركة بين الجيش والحركة الشعبية في المناطق الحدودية تعمل على صد العدوان الخارجي ومحاصرة المسلحين من «شبيحة» و«تنظيمات ارهابية»، وتقوم بحماية المظاهرات وتأمينها.