كيف يرى الخارج الأزمة في السورية؟

ساهم الحدث السوري أكثر من أي حدث آخر،  في تعميق الفرز السياسي في المنطقة، وذلك على أساس الموقف من السياسات الأمريكية- الإسرائيلية، بين من يؤيدها وينفذها من قوى الاعتدال العربي وقوى الأحلاف العسكرية مع الغرب وتحديداً التركية، وبين القوى المعادية لتلك السياسات، قوى محور المقاومة والممانعة، ويلعب هذا الفرز دوراً يتعاظم باستمرار في تطورات الأزمة في سورية في الوقت الحالي، وفي رسم ملامح سورية الجديدة ومصير سياساتها الخارجية ودورها المقبل في المنطقة.

لم يجد الخارج، كما كان متوقعاً منه، في الدماء السورية التي باتت تراق يومياً على أيدي المليشيات الطائفية المسلحة (شبيحة النظام، وشبيحة «المعارضة») أكثر من مناسبة ثمينة لفرض تنازلات سياسية على سورية ولدفعها إلى الانفكاك عن قوى المقاومة في المنطقة، وذلك مقابل غض الطرف إعلامياً عنها، وتبني أي أصلاح ترقيعي ليس من الضروري أن يغير في واقع الأمر شيئاً...

هذا يشكل جانباً من مسألة التدخل الخارجي، أو بصورة أدق يشكل أولويات الخارج في التعامل مع الأزمة في سورية، وهو أن المطلوب من سورية تنازلات تتعلّق بسياستها الخارجية تفرض عليها من خلال قيام قوى الفساد في الداخل بانتهاك حقوق الإنسان، وهذا يبين الدور الوظيفي لقوى الفساد كممرات عبور الخارج إلى الداخل من خلال ممارستها للعنف بحق الحركة الشعبية الوليدة في سورية، بعد عقد من التدمير الممنهج للاقتصاد السوري عبر تبني السياسات النيوليبرالية الاقتصادية.

أما الجانب الثاني من المسألة فيتعلق بما الذي يحدد طبيعة وحجم التدخل الخارجي، هل هو ارتفاع منسوب الدم وتعقد الوضع في الداخل السوري، أم هو مستوى الأزمة وعمقه في الاقتصاد الرأسمالي عموماً والأمريكي خصوصاً، وأولويات الولايات المتحدة الأستراتيجية في «الشرق الأوسط» التي كانت قد ترتبت على أزمتها، والتي بدأت ملامحها بالظهور منذ حرب أفغانستان؟

بالطبع سيكون قرار المجتمع الدولي بالتدخل عسكرياً أو سياسياً في أي بلد مرهوناً بما سيجنيه هذا التدخل من مصالح إستراتيجية، إما للأمريكان أو لحلفائهم، فلا يشبه التدخل من جانب الولايات المتحدة ومجلس التعاون الخليجي في أزمة البحرين واليمن نظيره في أزمة سورية، وفي الوقت الذي يتم فيه تركيز الضوء بقوة على القمع في كل قرية في سورية إعلامياً وسياسياً، يتم التعتيم على مجازر كانت تجري في ليبيا حصدت أرواح زهاء خمسين ألف ليبي لا نعلم بالضبط كيف قتلوا ومن قتلهم لكننا نعلم تماماً أن هذه الجرائم ستنسب للقذافي طالما هو الطرف المهزوم في المعركة، وطالما أن التاريخ يكتبه المنتصرون..

من الواضح أن التدخل عسكرياً في سورية لن يقتصر تأثيره على حدودها، بل سيكون ذلك بمثابة الصاعق الذي سيفجر المنطقة برمتها، فالعدوان على سورية لا يعني استهدافها شعباً ووحدةً وطنية فقط، بل إن ذلك يعني ضربة موجعة في خاصرة محور المقاومة في المنطقة، الأمر الذي يعني ظهور الصراع المسلح على وجه الأرض، وعودة جميع الأطراف في المنطقة إلى مواضعهم التاريخية الطبيعية في أحد الخندقين للمحورين المتصارعين (دول المقاومة- دول الاعتدال والكيان الصهيوني)، وهذا من شأنه أن يلحق خسائر كبيرة في الصف الأمريكي إذا تم التدخل على الشكل الكلاسيكي (احتلال مباشر)، وهذا يفسر دور تركيا الذي بدأ يتصاعد على خلفية الأحداث التي تعصف في المنطقة، والذي يتدرج من لعب دور الوساطات وإسداء النصائح إلى التدخل العسكري تحت يافطة حلف النيتو، وهنا تنبغي الإشارة إلى التطورات الأخيرة في تركيا ودورها في احتمالات التدخل العسكري في سورية، فتركيا التي اكتفت «بالتنديد» بقتل النشطاء الأتراك التسعة من جانب جنود الكيان الصهيوني في أسطول الحرية آنذاك، تقوم اليوم «بطرد» السفير الإسرائيلي كما تنقل لنا قناة الجزيرة والعربية الخبر، بينما الذي أعلنه أوغلو هو تخفيض التمثيل الدبلوماسي الإسرائيلي إلى سكرتير ثان للسفير، بينما بقيت السفارة الإسرائيلية في تركيا دونما إغلاق، الأمر الذي يعني إمكانية عودة السفير الإسرائيلي بعد إجراء التسوية المطلوبة، أو ربما بعد تنفيذ المهمة المطلوبة والتي قد يكون لها علاقة بالعدوان على سورية، بحيث تكون هذه الخطوة هي تحضيراً للرأي العام السوري لتقبل التدخل العسكري التركي بشكل مباشر، أو غير مباشر عن طريق مسلحين تدعمهم تركيا..

وإذا كان الأمر كذلك، فإنه تقدير سليم من جانب الأمريكيين والأتراك لموقف الشعب السوري الراسخ من إسرائيل وعملائها، ولكنهم مخطئون في أن ذلك سينطلي على السوريين بما يمتلكون من وعي وطني كبير...

أما التطور الثاني في تركيا فهو موافقتها على نشر الدرع الصاروخية الأمريكية على أراضيها بمواجهة الصواريخ الإيرانية، الأمر الذي يعد مؤشراً هاماً على إمكانية قيام مواجهة كبرى في المنطقة، والذي يرجح الشكوك الآنفة حول احتمال حدوث ذلك، وهنا ينبغي الإشارة إلى دور الكيان الصهيوني ومستقبله في ظل التطورات الأخيرة، فنحن نعلم أن أمن إسرائيل كان أحد أولويات الولايات المتحدة في المنطقة، نظراً للدور الذي تقوم به إسرائيل كقاعدة عسكرية متقدمة لخدمة مصالح الولايات المتحدة والغرب، وبما أن احتمالات المواجهة في المنطقة أصبحت ضرورة للأمريكان في أزمتهم وتلعب دوراً حاسماً في تحديد مستقبلهم، وهي خيارهم في منع انتقال الأزمة إلى الداخل الأمريكي، فاليوم أيهما أولاً: أمن إسرائيل أم أمن أمريكا؟؟ سؤال كبير يطرح نفسه بقوة أكثر فأكثر مع استشراء الأزمة الاقتصادية- الاجتماعية في الجسد الغربي الاستعماري كالسرطان...

ولا شك أن الشعب السوري سيثبت من جديد أن نضاله من أجل الحرية هو كلٌ لا يتجزأ، وهو ضد كل من يحاول إركاع هذا الشعب بدءاً من فاسديه ومستبديه وناهبيه، وصولاً إلى مستعمريه الغابرين والجدد، الذين أقروا بأنه من الوهم إركاع سورية..