يجب عزل المنطق الإقصائي..
عجز الحل الأمني البحت و المروجون له عن تطويق الحركة الشعبية الناشئة، ولم يفعل هذا «الحل» سوى أنه زاد الأمور تعقيداً وضيّق المخارج الآمنة من الوضع الراهن في سورية، وكان بعض العقلاء قد حذروا منذ بداية انطلاق الحركة الشعبية من خطورة التعامل معها على أساس أنها مشكلة «أمنية» فقط ، مستندين في ذلك إلى فهمهم لموضوعية الحراك وموضوعية أسبابه، التي بمعالجتها يمكن تجاوز الأزمة ودون معالجتها لا يمكن لأحد أن يوقفه أياً كانت القوة التي يظنها في نفسه.. وبالفعل، فقد تم، على ما يبدو، التأرجح بين اعتماد الحل الأمني كحل وحيد الجانب أو كجزء من حل، وذلك بطرح الحوار وسلة الإصلاحات السياسية كمخرج مما يجري..
رافق الدعوة إلى الحوار وبدء انطلاق المؤتمرات المعارضة والتحركات الإعلامية لمعارضين داخليين تطور خطير، تمثل باستمرار التجييش والتحريض بكافة أشكالهما لتثبيت الفرز الوهمي بين مع أو ضد بين معارضة أو نظام، وقد انتقل هذا التجييش من مستواه الإعلامي إلى مستواه الحاراتي والمناطقي، حيث بدأت المسيرات تصطدم بالمظاهرات، وأخذت المسيرات تطلق العنان لشعارات التخوين والإقصاء بحيث وضعت المتظاهرين جميعاً في سلة المخربين والسلفيين والمتآمرين والرعاع، ووصل بها الأمر إلى إطلاق شعارات استفزازية للغاية ، الأمر الذي أنتج ردات فعل لدى المتظاهرين ليست أحسن حالاً من الفعل..
ويبقى السؤال الأبرز هو: إذا استمر العقل الإقصائي في العمل، وبالأحرى إذا استمر في توقفه عن العمل، واستمرت حدة الاصطفاف بين شارعين متقابلين بالتزايد.. فإلى أين نحن ماضون كوطن موحد جغرافياً وديمغرافياً؟ وما الذي سيستطيع الحوار فعله في جو محتقن ومتوتر إلى هذا الحد؟
إن من يظن في نفسه القوة الكافية لإسكات صوت المحتجين بالقمع والتنكيل، وبالمقابل من يظن في نفسه القدرة على إسقاط النظام.. إنما يأخذان البلاد نحو اقتتال داخلي سيتفرع عنه سلسلة من الاقتتالات الطائفية والقومية والحاراتية.. والواقف وراء التطرفين دون أدنى شك هو من جهة الفساد الكبير وشركاؤه وخصومه ضمن الخندق الرأسمالي الواحد ، و تلك الذهنية القائمة على اعتقاد أن الدولة هي من تصنع الجماهير وعلى الجماهير خدمتها وليس العكس.. مع أن منطق الأمور يقول إن المجتمع هو من يصنع جهاز الدولة لخدمته ويصلحه ويبدله ويحاسبه حين يقصر في وظيفته..
على العقلاء في الطرفين، وتحديداً ضمن جهاز الدولة، أن يعزلوا المنطق الإقصائي، لأن هذا المنطق إن كان يعني في يوم من الأيام، مضى ولن يعود، تغولاً للفساد وامتداداً له، فإنه اليوم، وفي الظرف السوري الملموس لن يعني ذلك فقط، وإنما سيعني حرباً أهلية حقيقية تجعل من العدد الذي استشهد حتى الآن وتباكى البعض عليه، عدداً هزيلاً أمام الأعداد المريعة القادمة..