التخلص من النظام أم التخلص من سورية؟
يبدو أن «المجتمع الدولي» (أي الإدارة الأمريكية والأطلسي) مصر على التخلص من سورية، وأسبابه معروفة وهي تدمير السلاح السوري، من جهة، وقطع حلقة الوصل بين إيران وحزب الله من جهة أخرى، أما ما تبقى، فليس سوى تفاصيل سخيفة.
وإذا كان ذلك «المجتمع الدولي» له أسبابه، فما هي أسباب «المجتمع الإقليمي»؟
لقد فتحت الإدارة السورية كل الأبواب للإدارات الخليجية وللإدارة التركية، وأيضاً للإدارة الإيرانية، تفعل في الداخل السوري ما تشاء، وأصبحت ثمة قطاعات موالية للخليج ولإيران، بل ولتركيا أكثر من موالاتها للنظام، فماذا يريد «المجتمع الإقليمي» (ما عدا إيران) أكثر من ذلك؟ الواقع أن الإدارات الإقليمية ليست سيدة نفسها، إلا ضمن حدود. علاقاتها بالإدارة السورية طيبة، ولكن علاقاتها بالإدارة الأمريكية أطيب: على طريقة أبي هريرة: «الصلاة خلف علي أقوم، والطعام على مائدة معاوية أدسم، والجلوس وراء الرابية أسلم»، وهنا «مائدة الإدارة الأمريكية أدسم»، وهي تملك السوط أيضاً، فلا تملك الإدارة السورية بالمقابل أي سوط.
نفى السيد عمرو موسى «المؤامرة»، وقال «إنها مسألة قلق» (الأخبار 2011/6/18)، والواقع أن المسالة هي أكبر بكثير من «المؤامرة»، إنها سياسة إقليمية للإدارة الأمريكية تنفذها بدأب منذ أواخر الحرب العالمية الثانية، بل وقبل ذلك (فوعد بلفور هو أمريكي أكثر منه بريطاني): بدأت بالخطوات التي أدت إلى قيام إسرائيل، ثم طرد النفوذين الانكليزي والفرنسي، وحروب 1967 و1973 ومضاعفاتهما الهادفة إلى إخضاع المنطقة العربية، وحربي الخليج الأولى والثانية، وغزو لبنان في ثمانينيات القرن الماضي، وغزو العراق وحصاره ثم احتلاله، ومؤتمر مدريد، وغزو لبنان في 2006، والآن في العمل على غزو سورية.
وإذا ما نجح الغزو، فالطائفيون السوريون لن يحصلوا على شيء، الغنيمة الجزئية هي للعملاء الرخيصين، الذين ربتهم الإدارة الأمريكية «على الغالي».
ورغم التجييش الخارجي الواسع، فالموضوع الداخلي في حكم المحلول، فلن تتحول سورية، لا إلى ليبيا جديدة، ولا إلى يمن جديد. الموضوع الخارجي هو الخطير، والذي إذا ما قررت الإدارة الأمريكية، فسوف توجه للبلد ضربة أمريكية ـ أطلسية، لا نعرف نهاياتها.
والإدارة السورية هي مسؤولة إلى حد كبير عما وصل إليه التطور في المنطقة.
إن نظام القمع والفساد، الذي يعبث في سورية منذ عقود، أبعد القوى الوطنية عن الساحة لمصلحة القوى الملغومة، والتي تقبّل اليد من جهة، وتعض البلد ومستقبله، من جهة أخرى. مثل هذه الحالة موجودة في أغلب البلدان، ولكن ليبقى النظام، يجب أن يوجد وضع دولي له مصلحة في وجوده، ويبقى ما دامت تلك المصلحة قائمة، أو يجب أن يكون قادراً على الدفاع عن نفسه بترسانة عسكرية مناسبة، وباقتصاد يستطيع تمويل تلك الترسانة، والصمود أمام الحصار.
الفساد هو الذي سمح بتهريب الأسلحة (طبعاً وغيرها) إلى داخل البلد، وسمح أيضاً بربط من تصلهم تلك الأسلحة بالجهات الدولية، التي تهدف إلى زعزعة الوضع. فالقمع والفساد بنيا القاعدة التي يرتكز عليها مخطط الإضرار بالبلد وبالنظام معاً. القمع، الذي يحمل الإهانة والأذى، بل والموت للناس، يجعلهم يلجؤون للشيطان للحماية، وفعلاً هناك لجوء للشيطان، فالمشردون في مختلف العواصم يعدون بالملايين، والفساد يأتي بالسلاح لمن يريد أن يصد الأذى عن نفسه بالقوة: وصد الأذى هنا يتحول إلى ارتباط خارجي، يحركه الخارج لا لمصلحة من يصد الأذى، وإنما لمصلحة أهدافه الإقليمية.
والحل الأمني الذي تقوم به الإدارة السورية للوضع، يزيد من الخطورة بدلاً من أن يضعفها. إن البلد بحاجة إلى وجه جديد للإدارة، وجه حكومة تقيم حكم القانون، وتحترم المواطن، وتحميه من التعسف، وتكون مسؤولة عن كل ذلك أمام المؤسسة التشريعية، وجه حكومة ذات صلاحية، ومسؤولة في الوقت نفسه، فلا تستطيع أن تستغل صلاحيتها من أجل مصالح أعضائها أو مصالح زبائنهم الأنانية، وجه حكومة تستطيع أن تكسب تدريجياً ثقة المواطن، وجه حكومة لها شخصية واضحة، ولها برنامج.. إلخ.
من السهل أن يعرف المرء طريق النجاة، ولكن من الصعب التنفيذ، الخطر المحيط بالبلد يتطلب التحالف مع الشعب، لا التناقض معه.
النجاة تتلخص بالتحول من القمع إلى دولة القانون، ومن الفساد إلى النهج الوطني (طبعاً لا على طريقة رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي)..