الافتتاحية ألا لا يجهلنَّ أحدٌ علينا!

ازداد الوضع في المنطقة خلال الفترة القصيرة الماضية توتراً، فطبول الحرب الأمريكية- الإسرائيلية ارتفع وتسرّع إيقاعها..

ـ أوباما يعلن من واشنطن أن إيران وكوريا «الشمالية» ليست مستثناة من الضربة النووية.

ـ الخارجية الأمريكية صعدت من لهجتها واستدعت القائم بالأعمال السوري لتبدي قلقها من الإشاعات حول نقل صواريخ «سكود» إلى حزب الله..

ـ نائب وزير الحرب الإسرائيلي متان فلنائي يهدد بأنه سيعيد سورية إلى العصر الحجري.

ـ صدور تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول القرار 1559، المعتمد على تقرير تيري لارسن الذي يوجه الاتهامات إلى سورية، والذي وصفه (نعيم قاسم) بأنه صهيوني الهوى والتوجهات،.

ـ ازدادت الخروقات الإسرائيلية ضد السيادة اللبنانية جواً وبحراً وبراً..

كل ذلك يجري في ظل هزال موقف النظام الرسمي العربي، وخاصةً بعد قمة «سرت» الذي يغري التحالف الإمبريالي- الصهيوني بالبحث عن حرب جديدة وعدوان جديد.

والسؤال الآن، الذي تدور حوله الكثير من النقاشات: هل إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، كلتاهما أو إحداهما، قادرتان على خوض حرب جديدة بعد كل ما جرى في السنوات القليلة الماضية على كل مساحات المواجهة المباشرة، وبعد الفشل الاستراتيجي الذي أصاب خططهم في العراق ولبنان وفلسطين، وبعد المعارك التي فتحوها والتي لم يعرفوا حتى الآن كيفية الخروج منها؟

وإذا أردنا أن نطرح السؤال بشكل آخر يمكن أن نقول: هل قرار الحرب في نهاية المطاف له علاقة مباشرة بضمان نتائجها بعد كل الفشل الذي حصده المعتدون سابقاً، أم أن هذا العامل هو أحد العوامل التي تحدد قرار الحرب؟ وأين يأتي ترتيب هذا العامل في سلم الأولويات الأخرى التي تفرض قرار الحرب؟

الواضح لمتابع الأحداث منذ بداية القرن الحالي، أن قرار الحرب في منطقتنا كان منذ البدء متجاوزاً في أسبابه رقعة الحرب نفسها.. وأكبر دليل على ذلك أن قرار الحرب كان له ضروراته المتعلقة ببنية النظام الإمبريالي العالمي والأمريكي خاصةً، ومشاكله، والذي كان يبحث عن الذريعة لإطلاق الحرب، علماً أن الذريعة كانت مهمة في لحظتها فقط، وعند إطلاق الحرب لا يعود لها أية أهمية.. وتصبح من المنسيات مع الوقت.. فلنتذكر ذريعة أسلحة الدمار الشامل العراقية.. والأمثلة في التاريخ إذا عدنا إليه.. لا تحصى في هذا المجال.

لذلك فإن العدو الأمريكي- الصهيوني لن يعدم الذرائع، وهو قادر على اختلاقها دائماً، ويبقى أن قرار الحرب وإن كان يبحث، ويحاول أن يؤمن الانتصار المطلوب، إلاّ أن عدم التأكد من تحقيق هذا الانتصار يقيناً، لا يمنع إعطاء إشارة الانطلاق لها إذا تطلبت الظروف العامة ذلك. فما هي الظروف والأسباب الحقيقية لقرار الحرب؟

في لحظتنا، يبقى السبب الأساسي درجة احتداد الأزمة الاقتصادية العالمية الرأسمالية واشتداد التناقضات الاجتماعية داخل هذه المنظومة نفسها، والتي إن لم تبحث عن حل في الخارج عبر الحرب فإنها معرضة للانفجار في الداخل..

هكذا هي المعادلة إذاً.. تجنب الانفجار في الداخل باستباقه بتفجير ما في الخارج.. هكذا تعود المعادلة البسيطة- القديمة إلى السطح مرةً أخرى..

وتشاء الظروف أن تصبح منطقتنا الرقعة الأساسية في العالم التي ستقرر مصيره، لأنها ستقرر مصير النظام الرأسمالي العالمي بسبب تضافر عدة عوامل جغرافية- اقتصادية- سياسية- ثقافية..

فإشعال حرب في هذه المنطقة تؤدي إلى عدم استقرار وفوضى، ستفضي بدورها، بسبب وضع المنطقة الجغرافي، إلى الحد من تطور منافسي الولايات المتحدة الكبار: الصين- أوروبا- وروسيا، ومشاغلتهم لفترة طويلة.

وإشعال حرب في هذه المنطقة، التي تحوي على أكبر احتياطات النفط في العالم، سيؤجل إلى أجل غير مسمى مستقبل الدولار كعملة عالمية يعتمد عليه في تسعير النفط.

وإشعال هذه المنطقة سيحد من تطور قوى المقاومة عبر إنهاكها، لمنعها من التحول إلى نموذج عالمي يقتدى به، وخاصةً أن تجربتها كانت في الظروف المستجدة باكرةً ومستمرةً، وبالتالي لديها خبرة هامة تفيد كل المقاومين في العالم.

وإشعال حرب في هذه المنطقة ومحاولة تفكيكها قومياً ودينياً وطائفياً، سيحد من التأثير الثقافي المعنوي لوحدة شعوب الشرق على تطور العالم بأسره..

إن قرار الحرب في منطقتنا، رغم أهمية قوى الردع التي أصبحت موجودة لدى قوى المقاومة، ورغم التجربة التاريخية التي تراكمت لديها، لا علاقة له بالرقعة نفسها وظروفها وتوازناتها، بقدر ما له علاقة بالوضع العالمي وبمحاولة الإمبريالية الأمريكية درء خطر الانهيار الجدي الذي يعاني منه النظام الرأسمالي العالمي.

لقد كتب على منطقتنا خلال كل التاريخ الدفاع عن سيادتها وحقوقها أمام الغزاة المختلفين الذين هزمتهم في نهاية المطاف مثبتةً دائماً بالوقائع: ألا لايجهلن أحد علينا.. فنجهل فوق جهل الجاهلينا.. وبالتالي لا جدوى الآن من «سد الذرائع» لمن قد يحاولون ذلك، بل الأجدى طرح السؤال الأهم: ماذا نحن فاعلون؟

لقد أثبتت الحياة أن ثمن المقاومة هو أقل كلفةً من ثمن الاستسلام، ولكنها تثبت اليوم أننا محكومين بالانتصار، فإذا كنا في حقبة سابقة محكومون بالأمل في ظل الانهيارات، فالمنحنى البياني للتطور العام أخذ سياقاً آخر، ولا خيار أمامنا إلاّ الانتصار.. وهذا الانتصار سيتطلب عاجلاً أم آجلاً إعادة الاعتبار لمنظومة المقاومة على  المستوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، ما سيتطلب تلك الإجراءات المطابقة لهذا التوجه.. لذلك فالحكمة تقول اليوم: أن تأتي باكراً أفضل من أن تأتي متأخراً.. وفي ذلك ضمانة لكرامة الوطن والمواطن..