ندوة حوارية في البوكمال.. سورية إلى أين؟
تزداد الأحداث السورية تعقيداً، وتصبح مهمة تقريب وجهات النظر والدراسة والفهم العميق لما يجري مهمة وطنية بامتياز، تساعد على تجنب الاحتمالات الخطيرة التي بدأت تلوح في الأفق وتعكس ظلالها على الحدث الجاري في أماكن متعددة. ضمن هذا السياق عقدت اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين في مدينة البوكمال وبمشاركة من الحزب الشيوعي السوري الموحد، ندوة حوارية أدارها الرفيق تحسين الجهجاه، ودعي إليها طيفٌ واسعٌ من الفعاليات الاجتماعية والسياسية ومن المهتمين بالشأن العام..
قدم مدير الحوار بالقول: « المقدمات الخاطئة تؤدي إلى نتائج خاطئة، والمقدمات الخاطئة تتمثل بالفساد المستشري في جهاز الدولة، وبالسياسة الاقتصادية الليبرالية التي اتسمت بسوء التخطيط وإهمال مصالح الأغلبية العظمى من الجماهير وجعلت الأوضاع تتفاقم إلى حد الانفجار، وهذا لا يعني أنه لا توجد قوى خارجية وأجندة خاصة ساهمت وما تزال بما حدث، فنحن نعتقد أن تدخل الخارج لم ينشأ اليوم بل نشأ منذ اللحظة الأولى للتحولات الاقتصادية وربما قبل ذلك، بغرض إخضاع سورية للمخطط الأمريكي ـ الصهيوني. الحفاظ على موقف سورية الممانع وتطويره باتجاه المقاومة يحتاج إلى تدعيم الداخل السوري اقتصادياً بوقف النهب والفساد وإعادة توزيع الثروة لمصلحة الجماهير الشعبية الواسعة وديمقراطياً برفع سقف الحريات السياسية لتأخذ الجماهير دورها الحقيقي في عملية البناء وتوجيه السياسات بما يخدم مصالحها التي هي في النهاية مصلحة سورية..
سيأتي الحوار على أربعة محاور هي:
1) هل ما حصل هو مؤامرة خارجية أم هناك أسباب داخلية.
2) هل الإصلاح المعلن عنه يمكن أن يحل الأزمة الآن.
3) سورية إلى أين.
4) ماذا تعني الوحدة الوطنية وما هو سقفها.
إسماعيل العلي (الشيوعي السوري الموحد)
أولاً: محور سورية إلى أين؟ أنا أقول إلى المجهول!.. وذلك لأن الحكومة الحالية لم تنفذ بشكل عملي أي من القرارات المتخذة، كما أن توجهها غير واضح حتى اللحظة، وأتمنى أن تأخذ الحكومة الجديدة هذا بعين الاعتبار، قبل أن يفوت القطار..
أما عن أسباب ما يحدث فهو بالدرجة الأولى الفساد حسبما أعتقد، وخاصة الكبير منه، ثم المحسوبية لهذا أو ذاك الذين يتمتعون بامتيازات وحصانات ما أنزل الله بها من سلطان.
هذا باختصار داخلياً، أما خارجياً فالسبب واضح، حيث الموقف السوري الممانع الداعم للمقاومة، والواقف بوجه المشروع الأمريكي الصهيوني، والذي لا يمكن استمراره دون تحصينه داخلياً، عبر جملة من الإجراءات السياسية الاقتصادية والاجتماعية، ووفق معرفتي فإن الحل مايزال ممكناً إذا ما نفذت المراسيم والقرارات بشكل فعلي، وأصبح المواطن يلمسها بكل حواسه، عبر محاسبة الفاسدين وخاصة الكبار منهم وعلى الملأ، كما لا يمكن أن يكون الحل أمنياً، الحل عبر الالتفات إلى مصالح الجماهير..
محمد مشوح (العهد الجديد):
سأتكلم عن محور الوحدة الوطنية.. بكل صراحة إن الجبهة الوطنية الموجودة الآن في سورية، لا تمثل سقف الوحدة الوطنية أبداً، وهنا أشير إلى نقطة مهمة، وهي أنه حتى إذا جرى الآن وفي ظل هذه الأحداث تفعيل دور الجبهة وأحزابها، فلن تستطيع أن تقوم بشيء، لأنها بالأساس كانت مهمشة ودورها مهمّش.. تكرر مرات عديدة الحديث عن إعطاء الجبهة دورها الحقيقي، والكل متفقون على ضرورة ذلك، لكن على أرض الواقع بقيت كل تلك الأحاديث حبراً على ورق، ومنذ سنين طويلة كان يجب إعطاء الأحزاب والقوى السياسية خارج الجبهة دورها وحقها الطبيعي في الحياة السياسية، وإجراء حوار بناء مع هذه القوى.
وفي محور سورية إلى أين: أقول لكم إلى أزمة سياسية محلية وإقليمية، لكنها ستكون مؤقتة بشرط البدء الفوري بالحوار الوطني، وإصدار قانون الأحزاب والإعلام بأسرع ما يمكن، وإذا ما أوجدت الحكومة أساليب ناجحة حقيقية لا خلبيه في إيجاد أكبر عدد ممكن من فرص العمل للشباب، وحاربت الفساد علناً وعبر وسائل الإعلام عندها فقط سيقتنع الشارع وشباب الوطن بجدية الحكومة وصدقها، لنصل في المحصلة إلى حالة ديمقراطية عبر صناديق الانتخابات، ولا مانع من وجود حالة معارضة وموالاة، واعتراف بالطرف الآخر من خلال مجلس نيابي وكتلة وليس من خلال مجلس شعب.
أما عن التظاهر، أنا وبكل صراحة مع التظاهر السلمي وفق الأنظمة والقوانين والآن أصبح عندنا تشريع يجيز التظاهر.
أخيراً، أريد التذكير بأنه في تاريخ الشعوب، لم تحل أية مشكلة وطنية عبر القنوات الأمنية والأجهزة الأمنية أو العنف و الإرهاب، ومع ذلك علينا أن لا ننسى أن هناك مجموعات لها أجندتها الخارجية، وهي تحاول العبث بأمن الوطن والمواطن، فلا بد من مجابهتها بالأسلوب نفسه الذي تعمل وفقه، حيث لهذه المجموعات أهداف واضحة للجميع: تقسيم الوطن، وضرب الوحدة الوطنية، وتمرير المشاريع الأمريكية الصهيونية.
المهندس الزراعي سليمان الحماد، معتقل سابق لمدة /19/ عاماً:
يكمن الحل في الاستجابة السريعة لمطالب الجماهير، وأعني بذلك المعيشية والخدمية بالدرجة الأولى، وكذلك حرية الكلمة، والتعددية الحزبية، على مبدأ تداول السلطة بشكل ديمقراطي وحضاري، وإعطاء الحقوق للسجناء المفرج عنهم، وإعادة من هو موظف منهم إلى عمله، أو تعويضه بناء على قرار الجهات الأمنية ذات العلاقة، والإفراج عن المعتقلين السياسيين الموجودين بشكل فعلي، ومحاربة رموز الفساد الكبرى ومحاسبتهم علناً، ومن الضروري أيضاً الحد من دور الأجهزة الأمنية على اعتبار أنها لن تحل المشكلة، إضافة إلى أنه لا يمكن أن تبنى المجتمعات المتحضرة بأساليب أمنية.
غنام الحامد:
الفساد هو رأس الأفعى، وقد تفاقم بشكل كبير، وتوسع شاقولياً وأفقياً حتى أصبح وحشاً مرعباً يمتص دماء السوريين، هذا الفساد الذي قلنا عنه تكراراً ومراراً وعبر جريدتنا «قاسيون»، أنه يشكل جسر عبور للعدو الخارجي، وهذه هي نتائجه التي أصبحنا نراها بأم العين وبشكل ملموس: حيث ضيق الأفق الديمقراطي، وضعف الحراك السياسي بل وغيابه وتغييبه عنوة.. والحل إنما يكمن في اتخاذ الاتجاه المعاكس لكل ذلك وفوراً، وإجراء صدمة إيجابية للجماهير!.. عبر عدد من الإجراءات، وخاصة على الصعيد المعيشي والخدمي، وجعل المواطن يحس بمواطنيته، وبأنه إنسان كامل الحقوق ويحق له أن يعيش حياته الكريمة..
الدكتور وائل الخضر:
ما حصل ويحصل الآن، هو بنسبة /50 %/ يعود لأسباب داخلية، منها مثلاً الوضع الاقتصادي والسياسة الاقتصادية التي كانت متبعة من الفريق الاقتصادي طيلة ما يقارب ثماني سنوات، تردت خلالها الخدمات ولم يوضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وغابت المحاسبة.. وأمور أخرى ذكرها قبل قليل بعض الشباب، والـ/50 %/ المتبقية هي لأسباب خارجية تتمثل في المواقف السورية تجاه القضية الفلسطينية ومسألة الجولان واحتضان المقاومة، هذه السياسة لا ترضي العدو الخارجي، وواضح الدور القذر الذي يلعبه الإعلام العالمي المعادي، وبعض الفضائيات العربية، إضافة إلى ضياع حلقة الوصل بين المتظاهرين والسلطة، بمعنى أخر.. فإن المتظاهرين لم يعتادوا على التظاهر من قبل، والسلطة ببعض أركانها لم تحسن التعامل مع المتظاهرين..
الدكتور تمام عطو:
هناك تناقض بين الموقف القومي خارجياً، والموقف أو السياسة الداخلية المتبعة.. حيث نجد القمع سيفاً مسلطاً على رقاب الناس، والفساد الكبير يجعلنا نشعر أن هنالك مافيا منظمة حولت الوطن إلى خربة مهملة.. لننظر إلى مدينة تدمر التاريخية، فما قام به الأسلاف، يفوق ما تقوم به حكوماتنا المتعاقبة العتيدة لجهة تقديم الخدمات وتنظيمها اقتصادياً، وهذا يندرج ضمن الأسباب الداخلية. هنالك عدد من الأشخاص تقاسموا الوطن وخيراته.. فلان مسيطر على استيراد السكر، والآخر على استيراد الحديد، والثالث على استيراد البن والرابع على استيراد الزيوت والسمون وغيرها من المواد.. هذا على سبيل المثال، أما الهدر الحاصل فمن يستطيع إقناعي أن الأرض المالحة في الأرياف يمكن أن تمد بها شبكات الصرف الصحي؟!، هذا ما قام به المحافظ السابق خالد الأحمد..
عبد الله الفهد (صوت الشعب):
الوطن أكبر من شارع يزفت، وأكبر من أية حاجة خدمية. الأزمة موجودة، وعلينا أن نفكر كيف نخرج من هذه الأزمة بأقل الخسائر، وذلك من خلال الإصلاحات المعلن عنها وتنفيذ المراسيم كما جاءت دون أن يتم الالتفاف عليها، فمثلاً مرسوم تخفيض سعر المازوت تم الالتفاف عليه من خلال زيادة الضرائب على السيارات العاملة على المازوت، لذلك لم تنخفض الأسعار، وكذلك فإن الدعوة لحوار وطني حقيقي يجب أن توجه إلى كل القوى والشخصيات السياسية في الداخل والخارج، لا أن توجه إلى شيوخ العشائر فقط، كذلك لابد من محاكمة الحكومة السابقة وكل من أساء، وأؤكد أن الحل لا يمكن أن يكون أمنياً، بل يجب أن يكون سياسياً، وأتمنى أن تتوسع الندوة أكثر من ذلك..
المحامي خطاب حنشول:
أعتقد أن المؤامرة وبالدرجة الأولى داخلية، وذلك من خلال سياسة اقتصادية انتهجها الفريق الاقتصادي السابق، جعلت المواطن يحتار في كيفية شرائه (تنكة) زيت أو كيلو رز صالح للاستهلاك البشري!، وهذا ما أثر على المواطن السوري بشكل كبير، وفي محور سورية إلى أين، إن لم تكن الإصلاحات سريعة وجذرية على الصعيد الاقتصادي والمعاشي، فستكون الكارثة..
صهيب الدبس:
/90 %/ من الأزمة داخلية، تحدث عنها من سبقني، و/10 %/ خارجية. أما خطوات الإصلاح المعلن عنها الآن، فهي غير قادرة على حل المشكلة، فالمشكلة تكمن في طريقة الحكم، والحل يجب أن يكون سياسياً قبل أن يكون اقتصادياً.
أسامة شريف الراوي (صيدلي):
الإصلاحات المعلن عنها لم تلبّ /10 %/ من طموحاتنا، لأن ما ينفذ منها هي هذه العشرة بالمائة، ولسوف يبقى /90 %/ حبراً على ورق.. أما سورية إلى أين، فإلى المجهول، علماً أنني أستطيع القول أن الغالبية العظمى من الشعب السوري على امتداد ساحة الوطن ترفض الاستقواء بالخارج مهما تعددت الأسباب..
المهندس محمد خير الدبس:
إن عشرات السنين المليئة بالاضطهاد والقمع وفقدان الكرامة، هي عوامل كبيرة جداً تؤدي إلى ما يحدث الآن، وإن الإصلاح المعلن عنه قد يفعل شيئاً إذا ما نفذ بشكل صحيح، أما مصير سورية، فإذا لم يحسن المسؤولون عن البلاد التعامل بروح المسؤولية، فسيبقى الباب مفتوحاً لكل الاحتمالات، وفي الحديث عن الوحدة الوطنية، فيجب أولاً أن تتحقق كرامة الإنسان، وأن يمنح حرية الاعتقاد والتفكير، وأن لا يبقى الاعتماد على أراذل القوم كما في الفترة السابقة، فإذا كانوا يعتقدون أن زيادة الرواتب هو جزء من الإصلاح، فما هو عدد الموظفين في سورية؟، لنقل /3/ مليون موظف.. فماذا عن باقي الشعب؟ وخاصة العاطلين عن العمل وكبار السن والأيتام والأرامل وما شابه؟؟
حاتم مولود السلمان (طالب جامعي):
نلاحظ جميعاً أن معاملة المسؤولين للمواطنين، قد اختلفت بشكل كبير عن معاملتهم في السابق، حتى معاملة الجهات الأمنية، وهذا بعد التظاهر طبعاً، فما هي الأسباب التي جعلتهم يعاملوننا بكل أشكال القمع وكم الأفواه والقسوة والتكبر سابقاً؟ إذاً هذا الشكل من التعامل يمكن اعتباره سبباً مهماً وأساسياً لما يحدث الآن، ناهيك عما تكلم عنه البقية قبل قليل..
عبد الله صالح (طالب):
إن جريان الدماء هنا وهناك مرفوضٌ بكل أشكاله، لكن ما نلاحظه الآن هو ازدياد جريان الدماء، وبالتالي ستأخذ منه الدوائر الغربية حجة للتدخل في سورية، على غرار ما يجري الآن في ليبيا، وهذا يعني أن الحلول الأمنية غير مجدية، وقد تؤدي إلى كارثة وطنية، فالحل هو حل سياسي بالدرجة الأولى، ولا داعي للتسويف والمماطلة في إصدار قانون الأحزاب والصحافة والانتخابات وغيرها.
قيصر رباح (مصور شعاعي):
أؤكد على ما قيل، وأضيف أن التعريف الخاطئ للوطنية القائل: من يخالف النظام داخلياً كان أم خارجياً، هو غير وطني، ومن يوافق النظام هو الوطني.. هذا التعريف والتعامل على أساسه، هو أحد الأسباب الداخلية لما يحدث الآن، أما عن قانون الانتخابات، ومن خلال اطلاعي على مشروعه فلم يحصل أي تغيير جذري إلا في شيء واحد هو إشراف القضاء على الانتخابات.. ولكن من قال إن القضاء عندنا نزيه وشريف؟!، لقد عادت حليمة إلى عادتها القديمة..
أحمد خماس (عامل):
إن ثلاثة أرباع الأسباب وراء ما يحصل الآن هي أسباب داخلية. سوف أتكلم عن البوكمال فقط.. فكم رئيس بلدية تعاقب على هذا الكرسي، في هذه الدورة تحديداً؟، الشريف منهم ترك الكرسي وذهب، وبقي الفاسد لم يذهب ولم يعترضه أحد، هذا فقط في دائرة واحدة من أهم الدوائر، أما القمع الأمني فأستطيع القول إنه لوحده يشكل الجزء الأعظم من الأسباب الداخلية للأزمة.
شجاع مصطفى المحيسن (رجل دين):
أقترح أن تتوسع هذه الندوة لتضم أكبر عدد من الناس، ومن كل الأطياف، يجب أن تزول الحواجز بيننا كمتدينين وبينكم كشيوعيين لخدمة الوطن..
في نهاية الندوة قرر الجميع عقد ندوة موسعة بداية الأسبوع القادم، وتم تشكيل لجنة ضمت عشرة مشاركين من الموجودين، حيث تم تحديد المكان فوراً.. ويبقى أن نقول إن ندوات شبيهة، هي البداية الحقيقية لحوار وطني فاعل، تتسع دائرته شيئاً فشيئاً، ويرسخ إمكانيات الحل الوطني الأقل تكلفةً..
البوكمال - مكتب قاسيون