الفرز المطلوب وضروراته (1)
تركزت هجمات المعسكر المعادي للشعب السوري مؤخراً، على عمليات ميدانية، وإعلامية، وسياسية، يجمعها طابع محدد، ألا وهو إلقاء كميات هائلة من القنابل الصوتية والدخانية بالمعنى المجازي للكلمات، أي بذل أقصى ما يمكن من أجل التعمية، والتغطية، وعرقلة عملية موضوعية تجري ببطء، ولكنها في غاية الأهمية بالنسبة لمصالح الشعب السوري وحلّ أزمته، وفي غاية الخطورة على أعدائه. تلك العملية إنما هي عملية تقدّم الفرز على عدة مستويات بين النزعات الوطنية واللاوطنية داخل البلاد. ولا يمكن من غير هذه الزاوية فهم مغزى الدفقات الجديدة من التفجيرات الإرهابية الطائفية، والهجمات التخريبية المدمرة لمنشآت حيوية عسكرية ومدنية، فضلاً عن تقطيع سبل المواصلات والاتصالات.
بين الجيش الوطني وميليشيات الفساد
رغم استمرار الجريمة التاريخية بحقّ الجيش الوطني السوري، والمتعلقة بزجّ الجيش في صراع يحاول عبثاً حلّ المشكلة السياسية بطرق عسكرية بحتة، بعد تخاذل تلك الطبقة، وما يترتب على هذا المأزق الذي وُضع الجيش فيه، من أخطاء وارتفاع تكاليف بشرية ومادية على عناصره وعلى المواطنين السوريين، أي على أبناء الشعب السوري الواحد بالمحصلة، رغم ذلك تبقى التفاصيل المعاشة على الأرض شاهدةً على تعمق فرز يتزايد بين دور وطني ما زال يحتفظ به هذا الجيش، وبين دور لاوطني مشبوه تلعبه بعض ما يسمى «لجان شعبية»، من ميليشيات مسلحة مرتزقة لقوى الفساد، لم تقتصر ارتكاباتها على الاستفزاز والشحن الفئوي والإساءة الجسدية والمعنوية للمواطنين، بل وانتقلت في أكثر من مكان إلى تقديم المساعدة إلى الإرهابيين بشكل مباشر، مثل تسهيل مرورهم عبر الحدود، وضمن البلاد، مقابل رشاوى، أو غير مباشر، مثلاً عبر التلاعب في توزيع المواد الاستهلاكية الأساسية من محروقات وغذاء، والفساد داخل لجان يدخلون فيها، وكأنهم يكمّلون وظيفة الإرهابيين الذي يقطعون طرق المواصلات والنقل ويتسببون في شحّ أو بطء وصول هذه المواد أصلاً إلى كثير من المناطق. وهناك أمثلة كثيرة أخرى تشهد على تناقض بين الجيش وهذه الميليشيات الفاسدة، فملف الشهداء والمخطوفين على سبيل المثال، يشهد في أكثر من مكان على تورّط ميليشيات الفساد في الاتجار والسمسرة والتربح من أزمة المخطوفين، وتسليم جثامين الشهداء، عبر العلاقة مع الخاطفين وابتزاز أهل المخطوفين. وفي الواقع كثير من الحالات التي لم يسلم فيها حتى المخطوفين من الجيش العربي السوري من ابتزاز هؤلاء ومعاملتهم السيئة، الأمر الذي يفرض على الجيش السوري مهمة التصدي لهؤلاء المخربين المدعين بأنهم معه في الخندق نفسه و بأنهم في صفه.
بين المسلحين الأجانب والسوريين
جوبهت الحركة الشعبية في البداية بقمع شديد، وساد منطق الفعل ورد الفعل، ودخل الإعلام الخليجي والرسمي على خط الأزمة ليرفع من منسوب التوتر، وعلى أثر كل ذلك دفع بعض أقسام المحتجين دفعاً الى التسلح، ومع تعمق الأزمة استفحلت ظاهرة التسلح أكثر فأكثر، وصولاً إلى دخول قوى مسلحة قادمة من الخارج، قوى تحمل خطاباً تكفيرياً وبغض النظر عن تبرير ظاهرة التسلح والتي تعتبر خطأ جسيماً من الناحية السياسية فإن معرفة ظروف تشكلها وبنية القوى المساهمة فيها يؤسس للسلوك الصحيح في التعاطي معها.
وبالتجربة الملموسة أدركت فئات واسعة من المسلحين السوريين عبثية حمل السلاح، الأمر الذي يفترض من النظام إجراء حوار معهم ، والتفاهم معهم فالأغلبية الساحقة من هؤلاء هم وطنيون، وأهمية مثل هذا الحوار تنبع أولاً من أنها ضرورة لعزل المسلحين القادمين من الخارج ومن في حكمهم من السوريين الذين ينفذون أجندات دولية ، لا سيما أنه يُسجل في العديد من المواقع مواجهات مباشرة بين المسلحين السوريين وهؤلاء العصابات الإجرامية، كما أن هذا الحوار مع هؤلاء المسلحين يشكل من الناحية الواقعية أحد ضرورات الحل السياسي ولاسيما أن التجربة الملموسة أكدت عقم محاولات الحسم العسكري.
إن الصورة النمطية التي كونها الإعلام الرسمي عن ظاهرة التسلح وعدم التفريق بين المسلحين يقوي بشكل مستمر مواقع الجماعات الإرهابية التكفيرية.