بلاغ رقم واحد!
قناصٌ هنا، وقناصٌ هناك، والضحية ذاتها على جميع الجهات. قناصٌ يشطب حياتنا، أيامنا، بيوتنا، وأولادنا من دفتر الوطن ليوسّع مساحةً أكبر له ولقناصين آخرين. قناصٌ يسرق مادة المازوت المخصصة لبرد ليل الفقراء ليبيعه بالسعر الحر، وآخر يقامر في بورصة مواد الاستهلاك اليومي، وأسواقٌ حرة دون رقيب، وبالسعر الحرّ، الشاهق الصعوبة والمنال. قناص يفجّر سيارات ومبانٍي حكومية، واتهامات متبادلة بالتنفيذ، والضحية ذاتها.. الشعب السوري الفقير.
قناصٌ آخر يفتح الحدود للمقاتلين، ومهرَّباتٌ مسلّحة لنصرة دمٍ طائفيّ، وسلع ومنتجات دول الجوار تحلّ بدائلَ لمنتجاتٍ سوريّة قام بتدمير مصانعها وهجّر وشرّد عمالها، تمهيداً لهذه المنتجات الحدودية. وقناصون يقطعون الكهرباء والهواء والماء، والمحروقات والطحين، ومواد التموين، ليثور الشعب أو يموت، وكلا الأمرين لدى القناصين سيّان.
اقتصادٌ حرّ، ونظام ديمقراطيُّ حرّ يوزّع بالتساوي على جميع إخوة التراب السوري، الموتَ والجوعَ والفقرَ والتشردَ والدّمار الحرّ. والشعب الفقير المقتول ذاته، مرة أخرى.. من تحت الدلف لتحت المزراب، ومن الرمضاء إلى النار. ودود الخلّ ذاته، موزّع بعناية فائقة بين نظام ومعارضة، وجهان لعملة واحدة؛ عولمة الفساد ورأس المال العالمي.
كل الأطراف المتقاتلة على أرضنا ودمنا ولحمنا، لا تعبّر عن روحنا، ولا حتى عن مصالحنا الطبقية، عن سنوات الجوع والفقر والحرمان من أبسط الحقوق في العيش بكرامة وحرية وعدالة اجتماعية. هي تدافع عن مواقعها ومصالحها الطبقية وحساباتها الفلكية بالثرثرة عن الديمقراطية والعدالة والأخلاق والضمير، وكلّ من لا يحمل السلاح ويتبعها هو متآمر وجاهل وسمسار لا تليق به الحرية المنشودة من وجهة نظرهم. ينظرون لنا نحن الشعب صاحب الجلالة بكل احتقار سافر، فنحن لديهم جهلة متخلفون خُلِقْنا في سبيل ترفهم وتكديس أموالهم. فهم الشخصيات البارزة، هم القادة والأبطال، هم من يصنع الجماهير الشعبية ويدير دفة التغيير، ويصنع التاريخ لنا. ونحن مجرّد قطيع غرائزي، يحرّكه لون الدم المستباح.
هي ذاتها الفكرة والبدعة المسماة الانتداب، في الماضي والحاضر، كوننا شعباً لا يحسن إدارة شؤونه، ومحتاج لمن يعلمه طقوس التمدن والديمقراطية، عبر الانتداب قديماً، والاستحضار عن بعد لدولٍ هوت عروشها وراياتها وماء وجهها على ترابنا الوطني، بفعل مقاومة إخوة التراب السوري ضدها. شخصيات بارزة، قادة وأبطال، تمّ تصنيعهم في مختبرات ومطابخ دول القرار، لتقديمها لشعوبها، كمنتجاتٍ تاريخية عابرة، متناسيةً، هذهِ الدول، أنّ أمّة تستعبد أمة أخرى ليست حرة، ولو ملأت الأرض بكلّ منتجاتها العابرة.
نحن الشعب السوري الفقير المهمّش، والقوة المتضررة من الحرب الدائرة على أرضنا ولحمنا ودمنا، الحربِ المدارة باسمنا، لمصلحة قلة قليلة موغلة بالفساد، والتطرف من كل شاكلة ولون حتى أقراط آذانها، وقد قيل لنا إنها خرجت من زواريب النظام السياسي دون محاسبة لما اقترفته بحقنا، وهي ما زالت موجودة فيه، ومؤثرة في قرار الحسم الأمني العسكري، ومتناغمة مع أخواتها المنتقلة إلى صفوف المعارضة المسلحة، والتي تضم تكفيريين وجهاديين وسلفيين ومشتقات بن-لادنية وظواهرية ووهابية، و«بودي غاردات» العصابات الطائفية المسلحة، لأمراء وملوك الفساد لدينا.قلة قليلة تدور في فلك عولمة الفساد والرأسمال العالمي.
نحن الشعب والجيش السوري الضحية على جميع الجهات، إخوة التراب السوري والفقر والحرمان والتهميش والقمع والعنف، دافعي فواتير الضرائب والشهداء، وأصحاب الأجر والعمر المحدود، رفاق القهر والتعب والجوع والموت، نعلن البلاغ رقم واحد:
نحن الثورة القادمة من رحم الفقر، فلن يخلد صمتٌ في ليل الفقراء، ها هو ذا الصمت يعدّ طقوس الإسراء، وعروق التربة تعزف لحن البقاء، ثورة الشعب على الجلادين، وقناصي الدم ولقمة الخبز والحريات، ثورة المنهوبين ضد الناهبين، ونقطة. انتهى البلاغ.