بصراحة خطّان متباينان!
..إن إضعاف دور الشعب في المحاسبة والمراقبة الذي استمر طويلاً، فتح المجال رحباًَ أمام الموظفين الفاسدين الكبار، ليتلاعبوا بثروات الوطن، وبالتالي تحول قسم منهم، إلى تماسيح مالية، انتقلوا من ضفة الشعب إلى ضفة كبار الرأسماليين، يؤثرون مصالحهم الطبقية فوق مصلحة الوطن والمواطن، وهؤلاء اعتدوا على الدستور السوري الذي ينص على اشتراكية اقتصاد البلد، فشطبوا كلمة اشتراكية من أحاديثهم وبعض وثائقهم، وغيبوا الشعارات التي كانوا تُطرح سابقاً، مثل: «لا حياة في هذا البلد إلا للتقدم والاشتراكية»، وغيره وغيره.. واستعاضوا عنها باقتصاد السوق الليبرالي، حسب توجيهات صندوق النقد والبنك الدوليين.
إن هذين الصرحين للرأسمالية العالمية، يفرضان على دول العالم الثالث التي تتعامل معهما، شروطاً لتقديم القروض لها، هي:
1) أن تتبنى اقتصاد السوق الليبرالي.
2) أن تقلص الدعم الاجتماعي.
3) أن تتبع سياسة التجارة الحرة، وتفتح أسواقها، وتقلص صناعتها.
4) أن تقوم بخصخصة القطاع العام.
5) أن تلغي أو تخفف من دور حكوماتها في قيادة اقتصاد بلدها، وغيرها.
وها هي حكومتنا تنفذ هذه الشروط بحذافيرها في بلدنا، وليس من قبيل المصادفة أن وزير الصناعة والتجارة، يتجاوز أهمية الصناعة التي تشكل عصب وقياس التطور في بلدان العالم، ويعلن بالفم الملآن: (إن التجارة هي قاطرة النمو، وإن وزارة الاقتصاد تنظم ورشة عمل تعريفية بالبنك الدولي تمهيداً لعلاقات مستقبلية واسعة. وإن نائب رئيس الوزراء السيد الدردري (نازل) خصخصة في مؤسسات القطاع العام، بالاستثمار أو التشاركية، ويعلن بين حين وآخر عن قرب رفع الدعم عن المازوت، الأمر الذي إن تم، سيؤدي إلى نتائج كارثية على المستويات كافة، وخصوصاً على مستوى غلاء عشرات المواد الضرورية..
والدكتورة وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، تحولت إلى مدافع عنيد عن مصالح الرأسماليين ضد مكتسبات الطبقة العاملة، بمحاولتها فرض قانون التعاقد شريعة المتعاقدين، والسعي لإلغاء المرسوم /49/ القاضي بمنح التسريح التعسفي، الذي انتزعته الطبقة العاملة من حكم الانفصال الرجعي، بقصد شل دور الطبقة العاملة، ووضعها تحت رحمة الرأسماليين بشكل مشروع..
إن ما يحز في النفس، هو هذا التناقض الصارخ بين الخطاب السياسي الذي يؤكد صمود سورية ومقاومتها بضراوة المخطط الأمريكي الصهيوني المتآمر في المنطقة، الذي يستدعي بالضرورة تلبية مطالب الجماهير الشعبية الديمقراطية والمعاشية من أجل تقويته أكثر فأكثر، وبين السياسة الاقتصادية الليبرالية المعادية لمصالح الشعب، التي يتبناها الفريق الاقتصادي التي تهدم الصمود في وجه هذا المخطط، وتخدم أعداء البلاد المتآمرين في الداخل والخارج على حد سواء.
لكن الشعب السوري بعماله وفلاحيه ومنظماته النقابية وقواه التقدمية، الذي ناضل عشرات السنين مع القوى الوطنية كافة في سبيل تحقيق مكاسب شعبية هامة، لن يفرط بها بسهولة، كرمى للخط الاقتصادي الليبرالي الذي يتبناه الفريق الاقتصادي، بدعم وتوجيه ومباركة صندوق النقد والبنك الدوليين.
إن هذا الخط الاقتصادي معادٍ لمصالح الشعب والوطن، ومن شأنه أن يؤدي إلى خراب ودمار الاقتصاد الوطني، وهذا ما حصل في الدول التي نفذته.
يجب قلع الفريق الاقتصادي الذي ذاق الشعب السوري من تصرفاته الأمرين، بخداعه القيادة السياسية بتحليلاته ونظرياته الخاطئة، وإحصائياته المفبركة، بأمل إنقاذ البقية الباقية من مؤسسات القطاع العام من الخصخصة، وإنقاذ المازوت من خطر رفع الدعم عنه الذي يهدده. وهذا ضمان مؤكد لتقوية الجبهة الداخلية في وجه خطر المخطط التآمري الأمريكي الصهيوني الذي يحدق بنا.