دفاعاً عن عبد الله الدردري؟!
يكثر الهجوم هذه الأيام على عبدالله الدردري رغم كل الجهود الخيرة التي يبذلها لخدمة الوطن، إذ يعتبره البعض أنه يخدم قيام نموذج رأسمالي ليبرالي عولمي متوحش في سورية، ويبالغ البعض في اتهامه إلى حد اعتباره بأنه ظاهرة صوتية تعرف كيف تخلق الضجيج الفارغ إلى حد أن البعض قد سماه ب «عبدالله الثرثري»، من ثرثرة، والثرثرة هي الكلام الأجوف. وبالتالي فقد ظلموه، فليس من العيب أن يكون لسان الفرد زرباً، وفي كلامه حلاوة، حتى لو كان يبيع الأوهام.
والدردري لا شك حزين لذلك، إذ يبدو أن الهجوم أصبح واسعاً وشعبياً، فقد أصبح الرجل رمزاً للسياسات الاقتصادية التي تصب في صالح الأغنياء على حساب الفقراء والمعادية جداً للجانب الاجتماعي في السياسة الاقتصادية، إلى درجة أن أوراقه قد احترقت، وقطعت حلمه بالتسلق على سلم رئاسة الوزارة بعد أن أصبح في الدرجة ما قبل الأخيرة، وقد حلم بذلك ليالي كثيرة وروج لها كثيراً، وربما حلم بما هو أعلى من ذلك، من يدري؟ لذلك نحن نتضامن معه في محنته وسنكشف لكم عن الجوانب النافعة جداً في القرارات التي اقترحها، ونعتقد أن فيها فوائد كثيرة غير منظورة، سواء سعيه لإلغاء الدعم أو مجمل سياسته الليبرالية الحكيمة.
أولاً نود القول إن الأفكار التي يقترحها على الحكومة والوزارات ليست من صنعه، بل هي أفكار البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبقية جوقة المؤسسات الليبرالية، وبالتالي هو لا يتحمل وزرها، فناقل الكفر ليس بكافر، ولكن البعض يسميه بناقل المرض، وهذا ظلم.
وفي جميع الأحوال فإن السياسات والقرارات التي يقترحها لها فوائد جمة، فهي ستقسم المجتمع السوري إلى غالبية عظمى فقيرة وأقلية صغيرة غنية تحتكر الثروة، ومع إلغاء الدعم، رفع أسعار الطاقة، وعدم زيادة الأجور، سيكون من الصعب على الفقراء استهلاك الكهرباء أو المازوت أو الكاز، وسيكون لذلك منعكسات عظيمة على الاقتصاد والعباد يصعب حصرها، ولكن إليكم بعضها وسنترك لكم أن تتصوروا بعضها الآخر:
رفع أسعار المازوت والغاز المنزلي والكهرباء وإلغاء سياسة الدعم وعدم زيادة الأجور والرواتب كي لا تضعف القدرة التنافسية للصادرات السورية التي يصدرها الأغنياء، سيدفع الفقراء للعودة لاستعمال الحطب للطبخ والتدفئة وسيعود الناس للاهتمام بهذه المصادر، وستعود النساء لجمع مخلفات الزراعة وسيعود الرجال للذهاب إلى التحطيب وقطع أشجار الغابات والأحراش التي نمت خلال العقود الأربعة الماضية بطريقة مزعجة، وسيعودون لاستعمال روث الحيوانات وبقايا الزراعات، ويعود الزمن الجميل لإشعال نار الحطب والجلوس أمام الموقد وتذوق طعامه الطيب الذي يتفوق كثيراً على طعام الطباخ الذي يعمل على الكاز أو الغاز أو الكهرباء.
أيضاً رفع أسعار الكهرباء مع الفقر ستجعل مطابخ بيوت الفقراء تخلو من الكثير من أدوات الكهرباء مثل فرامات اللحم وخلاطات الفواكه والمايكرويف والتلفزيون والراديو والمسجلة والغسالة وغيرها وسيوفر هذا على الأسرة الكثير من النفقات من جهة، وسيوفر على الاقتصاد الوطني الكثير من المستوردات التي ستعزز الميزان التجاري وميزان المدفوعات وستجد الدولة لديها الكثير من النقود التي لا تعرف ما تفعله بها فتتشجع لدعم المستثمرين والمصدرين بالمال... الخ.
وبالتالي فالسياسة التي يدعو إليها الدردري هي في صالح الفقراء، ولكن من حيث لا يدرون، لأنه يريد أن تعود سعادة الحياة البدائية التي ذكرناها لكم للفقراء، فقط بينما سيبقى الأغنياء يعيشون في حياة مصطنعة حيث تضيء الكهرباء في بيوتهم وتمتلئ منازلهم بالكثير من الآلات والأدوات ويستهلكون الكثير من السلع مما يضر بالصحة، فيتعودون على الكسل، فتهرم أجسامهم بسرعة. إذاً إن السياسات التي يقترحها الدردري هي في الحقيقة ضد الأغنياء وليست لصالحهم كما يتهمونه.
الحقيقة يمكن أن نعدد لكم مسائل كثيرة لا تحصى وكلها لم تخطر لكم على بال، وسنكون كما الناقد الأدبي الذي يجد في قصائد شعر الدردري معاني لم يكن يعلم بها هو ذاته!.
واليوم إذ يتهدد الدردري انكسار أحلامه يجب أن نقف معه معزين متضامنين، وعزاؤنا أن النقد الذي يوجه له بل وحتى الشتيمة لا تؤثر فيه، بل هو يسعد بها، فهو يريد أن يكون حاضراً دائماً في وسائل الإعلام، سواء بالتي هي أحسن أم أسوأ لا يهم، وهو لن يعدم وسيلة للظهور فشعاره (ارتفع ولو على خازوق).
والدردري رغم الهجوم عليه فهو لا يستسلم، فها هو يكثر من الحديث عن التشاركية واقتصاد السوق الاجتماعي ويستبدل عدالة توزيع الدخول بعدالة توزيع الفرص، ويزعم أن الناس لم يلمسوا سوى غلاء الأسعار وازدياد التهريب والتهرب وازدياد الجريمة في مسعى للإساءة إلى هذا الرجل المسكين!! ونحن مسرورون لأنه بذكائه يحاول أن يطيل بقاءه في الكرسي عبر اختراع مهام «خلبية» جديدة له مثل الإصلاح الاقتصادي وأخيراً يهتم بالإصلاح الإداري، وخاصة بعد أن سمع السيد الرئيس يشدد على الإصلاح الإداري. ونحن مثله لا تهمنا هذه الإصلاحات بل يهمنا أن يستمر هو وتستمر سياساته ونأمل أن ينجو هذه المرة أيضاً.
لكل ما تقدم فإننا نناشد المسؤولين ألا يتركوا الدردري يفلت ويذهب إلى بلدان أخرى لينفعها بدرره الثمينة، بل أن يحتفظوا به عندنا كي يعيدنا إلى الزمن الجميل الذي افتقدناه كثيراً.
جماعة دعم عبدالله الدردري